أنظر إليه اليوم كمقال يبعث على الثقة بالنفس.. لقد كنت محقا، أنظر إليه كمقال يدفعنى إلى الهتاف «كنت متأكد كنت متأكد مع إنى كنت شاكك».. أتكلم عن المقال الذى كتبته قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى يمر عليه غدا عام بالتمام والكمال، هلكنا أنفسنا وقتها فى الشجار الفكرى الذى سرعان ما انقلب إلى خلاف دينى، بعدها بدأت أولى خطوات تفتت الشعب الذى وحده الميدان، الاستفتاء الذى لم تسعد نتائجه الطرفين، من قالوا نعم ومن قالوا لا، وأرضى فقط من وقفوا على جنب وقالوا من قلوبهم «نعمين»، هذا الاستفتاء الذى جعلنا زى ما روحنا، زى ما جينا بس الاسم إننا استفتينا، هذا الاستفتاء الذى أصبح مرة مرادفا لصكوك دخول الجنة ومرة بمثابة إذن للسماح بالهجرة لمن لا يعجبه هذا الوطن ومرة دليلا على شرعية حكم العسكر من وجهة نظرهم ومرة عرسا ديمقراطيا أبهر العالم لكنه أحبط المصريين.. حقق كل ما سبق دون أن يحقق بالضبط الهدف المطلوب منه. يومها قلت لا.. لعلك تذكر.. لكن هل تذكر لماذا قلت لا؟ قلت فى هذا المقال الذى أعيد نشره فى الذكرى السنوية الأولى لضحايا الاستفتاء أن ال.... ما تيجوا نشوف.. لأن لجنة التعديلات والجيش لا يستمعان إلى الحلول الوسط التى طرحتها القوى المختلفة لتحقيق أفضل مكاسب ممكنة، لأنهما لا يستجيبان لتعديل بعض المواد التى تقابل برفض عام ويضعوننا فى خانة التصويت على التعديلات بالجملة.. سأقول لا. لأننى لا أثق بأحد ثقة كاملة إلى النهاية، وأريد أن أعرف الآلية التى سأحاكم بها رئيس الجمهورية قبل أن أنتخبه وقبل أن يشرف هو شخصيا على إعداد دستور قد يغفل هذه النقطة أو يصوغها بشكل مطاطى.. سأقول لا. لأننى أثق أن شرف «خير أجناد الأرض» سيحول بين الجيش وبين أن يتناسى وعده بتسليم السلطة إلى مدنيين إذا ما طال قليلا اشتراكه فى الإشراف على إدارة شؤون البلاد حتى تنهض بشكل سليم.. سأقول لا.. (وإذا كان الجيش قد فعل هذا فى ثورة 52 فلأنه كان يؤمن بأنها ثورته، أما الآن فالكل -وأولهم الجيش- يعلم أنها ثورة الشعب). لأننى أثق تماما أن التصويت بنعم للهروب من مأزق الحديث حول المادة الثانية واتقاء شر الفتنة هو مجرد تأجيل لها، فالفتنة أجدر بأن يتم علاجها الآن لأن تأجيل مواجهتها سيحولها إلى خلايا سرطانية تسرى فى جسد البلد ببطء إلى أن نصحو يوما على كارثة.. سأقول لا. لأنه من مصلحتى ومن مصلحة الإخوان المسلمين أيضا أن أعرف بوضوح هل ستظل جماعة محظورة أم أنها ستتحول إلى حزب سياسى؟ ولأننى أريد أن أعرف كيف سيتم تنظيم موضوع الأحزاب وعلاقتها بالأديان.. سأقول لا. لأننى لا أعرف من هم أعضاء مجلس الشعب القادمون حتى أطمئن لقدرتهم على صياغة الدستور، ونحن نعلم جميعا كم حفلت البرلمانات السابقة بالفاسدين والأميين والمتعصبين والترزية والمحتكرين ولاعبى القمار.. سأقول لا. لأننى لا أريد أن أترك الأمور للمصادفة والحظ والنصيب، لأننى أريد أن أعرف «راسى من رجليّا» قبل أن أخطو خطوة للأمام، لأننى أريد أن أتخلص من فوبيا «إيه اللى يضمن» التى تلتصق بالتعديلات أيا كانت نتيجة التصويت عليها.. طالما كده أو كده «إيه اللى يضمن» يبقى «لا» أحسن ونشوف حل ثالث. لأننى أؤمن بأن إعلانا دستوريا مؤقتا قد يكون أكثر وضوحا وشفافية من تعديلات بلا ضمانات كافية يسهل خرقها أو التحايل عليها أو هدم كل ما بنى عليها بدعوى قضائية من محام مغمور.. سأقول لا. لأننى أعرف أن كلمة نعم تبدو الاختيار الأسهل لكننى أؤمن بأن العالم يخطو للأمام ويرتقى تحت سحر كلمة «لا».. سأقول لا. لأننى أحلم بدستور عابر للأجيال والانتماءات والرؤساء والبرلمانات يليق بالفكر الذى فرضه الجيل الجديد على شارع السياسة فى مصر مع كامل احترامى لكل الأجيال السابقة، ولأننى أحلم بدستور ثورى يعدنا بالبلد الذى نحلم به بكل دقة، بكل وضوح، بكل جرأة.. سأقول لا. لأننى لا أفهم كيف يعترف المجلس العسكرى بوجود ثورة مضادة تسرى فى أنحاء البلد ثم نقوم فى هذه الأجواء بانتخاب برلمان ورئيس.. سأقول لا. لأننى أؤمن بأنه فى حالة إجماع الإرادة الشعبية على كلمة «نعم» سأكون أول من يحترم ويبارك اختيارها، على أن أبذل أقصى جهد فى دعم إيجابيات هذا الاختيار ومحاربة سلبياته.. سأقول لا. لأننى مقتنع بنظرية «وجع ساعة ولا كل ساعة» أكثر من نظرية «خسارة قريبة ولا مكسب بعيد».. سأقول لا.