د.أشرف الصباغ يكتب :بديع والشاطر والعسكر وتغيير قواعد اللعبة د.أشرف الصباغ تصريحات المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، المحظورة إلى الآن، محمد بديع لوكالة أنباء "رويترز" مثيرة للغاية. وهي قبل أن تكون رسالة، قابلة للتغيير في أي وقت، إلى الولاياتالمتحدة والإدارة الأمريكية، تفترض من حيث المبدأ وجود "جماعة ظل" تقود الرئيس والبرلمان والحكومة من خلف الكواليس. تصريحات مرشد جماعة الإخوان المسلمين جاءت مفتوحة وتحتمل كل شئ ولا تحدد أي شئ على مبدأ "اللي تكسبه، العب به". فلا مرشح للإخوان، وفي الوقت نفسه هناك من يفكر في ترشيح نفسه! ولا ندري بالضبط ماذا يقصد المرشد بكلمات مثل "التوافق" و"الرقابة الشعبية"؟! وأن يكون المرشح للرئاسة ليس منتميا إلي تيار إسلامي ولكنه يحترم التيار الإسلامي وفكره وثقافته؟!! الكلام مرصوص بعناية شديد، ولكنه لا يعني أي شئ سوى مناورة جديدة، خاصة إذا وضعناه إلى جوار تأكيدات نائبه خيرت الشاطر بعدم كفاءة حكومة الجنزوري واستعداد الإخوان لتشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزب الإخوان المسلمين. فماذا يعني الشاطر بحكومة ائتلافية واسعة؟! من أين، وممن؟! وهل كانت الأمور تحتاج ما يقرب من عام كامل من المناورات والخداع والكر والفر في التصريحات لكي نصل في نهاية المطاف إلى أن كل شئ في مصر يجب أن يكون شكليا وعابرا لإقامة دولة شبيهة بعروض "خيال الظل"؟! فبديع يفترض أن المثلث "التوافقي" المتساوي الأضلاع يتألف من رئيس وبرلمان وحكومة! هذا طبعا على خلفية ما ذكره بأن الإخوان لهم ما يقرب من نصف مقاعد البرلمان! هذا الكلام المثير للتساؤلات والشكوك معا، يحيلنا بدرجة أو بأخرى إلى ما يتردد حول وجود خلافات بين العسكر وحكومتهم بقيادة الجنزوري مع الإدارة الأمريكية التي ترغب في منح الإخوان ورقة جديدة، وهل السبب فعلا هو تمويل منظمات المجتمع المدني، أم سبب آخر متعلق بإجراء بعض التعديلات على قواعد اللعبة لصالح الجناح الآخر في النظام الفاشي الحالي في مصر؟! من الواضح أنهم بدأوا يغرقون بعضهم البعض وعلى الإدارة الأمريكية أن تختار بين جناحين في نظام واحد أو تنتظر نتائج التمخضات الجارية والتي قد تستمر لوقت أطول بكثير مما نتصور. وفي الحقيقة يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل لإجراء عملية قيصرية، ولكنها ستكون غير محمودة العواقب، لأن المصريين قرروا مبدأ واحد مكون من شقين: سلمية الثورة وعدم التدخل الأجنبي. العسكر يتعجلون للحفاظ على بعض من السلطة وعلى رؤوسهم أيضا والإفلات بما ارتكبوا ولإنقاذ حلفائهم من السجون والمحاكمات. والإخوان يتعجلون قبل أن ينكشفوا إلى النهاية وطالما لا يزال هناك دعم إقليمي ودولي في إطار المشروع الإجرامي الذي يهدف لتحويل منطقة شمال أفريقيا إلى مستنقع جديد. فقط، تعجل الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين والخليجيين قد يعجل بحرب أهلية في مصر تفتح الباب لتدخل أجنبي. هذه المعركة تحديدا تدور في هدوء وبرود ليس إطلاقا بين الغرب والنظام الفاشي بشقيه العسكري والديني في مصر، بل بين الغرب والقوى الوطنية والثورية، بينما النظام الفاشي نفسه وبشقيه لا يهمه إلا توطيد مواقعه حتى وإن انفتحت كل أبواب جهنم دفعة واحدة على مصر والمصريين. على الجانب الآخر تماما، فض الجميع أيديهم من الثورة والثوار والمتظاهرين والميادين والشوارع. أصبح تشويه الثورة والثوار والمتظاهرين برنامج يومي للعسكر والإخوان ومجلس الشعب والحكومة ووسائل الإعلام التابعة لهم. أقاموا الأسوار حول وزارة الداخلية والبرلمان ومجلس الوزراء بهدف حصار ميدان التحرير. أصبح المتظاهرون بين مطرقة الأمن المركزي وسندان مليشيات الإخوان. تحولت الأمور إلى لعبة ذهنية تتأرجح بين الوعيد والتهديد والاستمتاع بالسلطة والأمل بالبقاء إلى أطول فترة ممكنة. فهل هناك ظروف موضوعية مناسبة أكثر مما نحن فيه لإعلان العصيان المدني ضد نظام فاشي حقيقي يستخدم كل الوسائل والأدوات الممكنة، بما فيها المؤسسات الدينية التي اتحدت فجأة وصارت أكثر طاعة وانصياعا مما كانت عليه قبل 25 يناير 2011؟ العصيان المدني ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بالحلال والحرام. وليس له أي علاقة بأكذوبة عجلة الإنتاج. كل ما في الأمر أنه سيعيد ترتيب الأوراق، وسيفتح الباب أمام المصريين للتخلص من الشعوذة والتدليس والقمع والاستبداد. سيحاول كل من شقي السلطة الفاشية إفشاله وإحباطه في البداية، وبنجاحه سيحاول كل منهما استخدامه ضد الآخر، في محاولة أخيرة لخداع المصريين. ولكن مع كل أسف، فالمصريون تغيروا تماما ولن يعودوا إلى ما كانوا عليه قبل 25 يناير 2011، ولن ينخدعوا بالمؤامرات الخارجية والمخاطر الوهمية التي تحيط بمصر وبأمنها القومي، ولن يخضعوا للشعوذة واللعب على المشاعر الدينية. كل ما في الأمر أن النظام الفاشي الحالي في مصر بشقيه العسكري والديني هو الذي يتآمر مع الخارج على مصر، مستخدما كل الأسلحة المباحة وغير المباحة. وبالتالي على المصريين أن ينقذوا بلادهم قبل فوات الأوان..