بدا لكل المصريين في الفترة الأخيرة أن هناك أزمة في إدارة الآثار في مصر، لكن في حقيقة الأمر أن الأزمة هي انعكاس لأزمة الدولة المصرية ومؤسساتها ومشاكلها المتراكمة عبر سنوات طويلة، لذا فأن من يتحمل عبء إدارة مؤسسة الآثار في مصر يحمل على كاهله مشكلات بعضها يحتاج حلول جذرية على المدى البعيد والبعض يحتاج لحلول آنية.ويجب علينا مساندته في كل الأحوال . تبدأ أولى مشكلات الآثار من خارج المؤسسة من ألاف الخريجين الذين يدرسون في كليات الآثار وأقسام الآثار بكلية الآداب، وعددهم أضعاف أضعاف المطلوب للعمل في المؤسسة، لذا بات مراجعة هذا الوضع ضروريًا، فدراسة الآثار هي دراسة نوعية تتطلب طلاب يحبون هذا النوع من التخصص، كما أن دراسات الآثار في العالم شهدت تطورات سريعة في السنوات الأخيرة، نقلت هذه الدراسات من حقل الدراسات الإنسانية إلي حقل الدراسات البينية التي تجمع بين الدراسات الإنسانية والعلمية التي تعتمد على التكنولوجيا والعلوم بتخصصات مختلفة، وليس أدل على ذلك من مولد تخصص جديد منذ سنوات هو –البيو أركيوجي- الذي لم تعرفه مصر إلي الآن، كما أن عدد المتخصصين في مجال المتاحف في مصر محدود جدًا، لذا بات من الضروري مراجعة وضع كليات الآثار التي يجب أن يخفض عدد الملتحقين بها بنسبة 90%، وضم أقسام الآثار بكليات الآداب لأقسام التاريخ، حيث لا يعقل أن يكون لدينا مدرس تاريخ غير محيط بصورة جيدة بآثار مصر، كما يجب إعادة النظر في مناهج تدريس الآثار لتواكب متطلبات العصر. أما مؤسسة الآثار فبقاؤها مجلس أعلي للآثار تابعًا لمجلس الوزراء هو حل جيد، حيث يبعدها مستقبلاً عن التجاذبات السياسية، خاصة صعود إسلاميين لسدة الحكم لديهم فتاوي مسبقة بحرمة الآثار الفرعونية، لذا فأن استقلالية إدارة هذه المؤسسة بعيدًا عن السياسة أمر ضروري بل حتمي على أن يكون رئيس هذه المؤسسة بدرجة وزير ولديه صلاحيات الوزير كاملة، إذا انتقلنا لوظيفة هذه المؤسسة فيمكن إن نحددها كما يلي: - الحفاظ على الآثار المصرية وترميمها. - إدارة التراث الوطني. - تعظيم دخل مصر من هذا التراث. - الكشف عن المواقع الأثرية. لذا فهذه المؤسسة لديها عدة ادوار: علمية، إدارية، اقتصادية، وطنية تعليمية، المشكلة تكمن في عدم وضوح هذه الأدوار واختلاطها ببعضها أحيانا، بل وتضارب الاختصاصات أحيانا، فليس لدينا إلى الآن توصيف وظيفي واضح لمهنة مفتش الآثار وأمين المتحف، وحين يتعرض أي منهم لمشكلة ناتجة عن العمل لا يجد من يدافع عن هؤلاء في ظل افتقاد الأثريين لنقابة تدافع عنهم، وفي ظل عقبات وضعتها الإدارة لسنوات أمام مشروع نقابة للأثريين إلي أن بدا في الأفق حاجة ماسة لنقابة قوية تدافع عن الأثريين وتمسك الأثريين بهذا المطلب. لذا فأن هناك قطاعات يجب إنشائها داخل مؤسسة الآثار، أولها القطاع العلمي أو الأكاديمي، على غرار المؤسسات المماثلة، وهو نفترض انه قطاع كبير في حجمه محدود في عدد العاملين به، إذ أنه يوظف كل إمكانيات المؤسسة في مجالات البحث العلمي الخاصة بمجالات عملها من خلال عدد محدود من العاملين في هذا القطاع. أما القطاع الأخر فهو القطاع الاقتصادي الذي يجب أن تتبعه عدة شركات مفصولة تماما عن إدارة المواقع الأثرية والمتاحف، لكنها تقوم بتسويق الآثار المصرية عبر المعارض الداخلية والخارجية وإدارة ما يتعلق بالمواقع الأثرية، ويمكن الاسترشاد في ذلك بتجربة الإدارة الاقتصادية لشركة المتحف البريطاني ومتحف المتروبوليتان وإدارة القصور الملكية البريطانية، بدءًَا من الاستفادة القصوى من كل موقع اثري إلي النماذج الأثرية إلي المطبوعات إلي الكروت البريدية إلي الهدايا التذكارية إلي دراسات الجدوى لبعض المشروعات، هناك حاليا قطاع التمويل وصندوق تمويل الآثار، لكن كلاهما عاني لسنوات من تسلط ضباط شرطة عليهما، دون أن يكون هناك من يدير إمكانيات هذه المؤسسة بصورة تضاعف دخلها وبرؤية فيها بُعد تحديثي وتنافسي. كما أن قطاع المشروعات في حاجة لمراجعة أيضا، إذ أن هذا القطاع يعمل دون ما يسمي دراسة جدوى لأي مشروع، على سبيل المثال متحف شرم الشيخ الذي صمم بمساحات كبيرة غير ملائمة للعرض المتحفي، ومتحف كفر الشيخ الذي شيد لكي لا يزوره احد كالعديد من متاحف مصر، فمن الأولى أن يكون مكانه في مدينة دسوق التي يتردد عليها ألاف الزوار سنويا أو مدينة فوة التي تعد اكبر المدن التراثية الإسلامية في مصر بعد القاهرة ورشيد، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك جهودا بذلت في بعض المتاحف المصرية جعلتها في أفضل رونق كالمتحف القبطي ومتحف النسيج ،كما أن سلطات مهندسي القطاع كبيرة بصورة تتجاوز مفتشي الآثار الذين يستبعدون من الخطوات الأولى لطرح أي مناقصة لترميم أي اثر، فنتج عن ذلك ألاف المشاكل التي سمعنا عنها خلال السنوات الماضية، والأفضل أن يمتلك المجلس الأعلى للآثار شركة لترميم الآثار، تشكل مدرسة مصرية للترميم، خاصة مع تراكم الخبرات داخل المجلس، وتوافر معامل تحليل المواد، فضلاً عن أن هذه الشركة من الممكن أن تقوم بمشروعات خارج مصر من واقع خبرتها خاصة مع توافر خبرات في المجلس الأعلى للآثار بمستوي رفيع، كما انه لا يجوز أن يعمل أي مهندس في هذه المشروعات دون الحصول على دبلوم في الآثار. هذا ما يفتح باب أهمية أن ينشئ المجلس الأعلى للآثار معهدًا للدراسات الأثرية الأكاديمية، يكون فيه دراسات أكاديمية وأخري حرة للهواة. هل تعلم عزيزي القارئ مدي إقبال الأجانب على تعلم اللغة المصرية القديمة في مدارس تتبع المتحف البريطاني، أو الخط العربي أو الحرف التقليدية؟ وفي هذا السياق لابد أن نسأل عن الجداول الزمنية لصيانة الآثار، وهي جداول غير متوافرة لزمن طويل، هذا ما يجعلنا بعد سنوات نصرف ملايين الجنيهات على ترميم الآثار، وقد كان يمكن تفادي ذلك لو لدينا جداول زمنية لصيانة الآثار. هنا يجب طرح ضرورة تحويل قطاع المتاحف إلي الشبكة الوطنية للمتاحف، هذه الشبكة تراقب عمل المتاحف في مصر وفق معايير محددة، هذا يقتضي أعطاء المتاحف استقلالية اكبر في عملها وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بشئونها، مع الرقابة الدورية عليها من الشبكة، خاصة مع وجود متاحف لا تخضع إلى سيطرة الآثار كالمتحف الزراعي ومتاحف الجمعية الجغرافية، وهو ما يعني أنه ليس لدينا سجلا وطنيًا شاملا بمقتنيات المتاحف المصرية، كما أنه يجب التأمين على أمناء المتاحف الذين يتحملون عبء أمانة القطع المتحفية. أن كل ما سبق طرحه هو مجرد طرح لمناقشة عامة حول مستقبل العمل الأثري في مصر، إذ أن هذا المستقبل يقتضي رفع دخول الأثريين لمستوي معقول بعيدا عن المستويات المتدنية حاليا، وتعظيم دخل مصر الوطني من الآثار، والترويج لمصر وتراثها على المستوي الدولي.