فى التلمود، ينظر اليهود إلى سائر البشر على أنهم أدنى منهم مرتبة، ويعتبرون أنفسهم شعب الله المختار. فهم الأطهار وغيرهم أنجاس خلقوا لخدمتهم ، لكن الله (يهوه) فى زعمهم جعلنا على مثل صورة اليهود حتى لايشمئزوا منا! وكذلك فعل هتلر الذى آمن بنقاء واستعلاء الجنس الآرى ، وسعى إلى السيطرة على العالم فى مغامرته المشئومة المعروفة بالحرب العالمية الثانية. هذه النظرة المتعالية المتعصبة انتقلت إلى بعض المسلمين ، فتراهم ينظرون إلى بقية البشر على أنهم فاقدوا الكرامة والأهلية. فهموا كلام الله وجل على غير معناه، ووضعوا كل آية فى غير مكانها. إنّ الآية الكريمة (وليجدوا فيكم غلظة) للمحاربين .. أما التوجيه الإلهى ( أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم ) فهو لمن يعيش بيننا و يتعايش معنا... هل يعقل أن يقدم المسيحيون أنفسهم إلى البشرية على أنهم دعاة وداعة وتسامح لدرجة أن :من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، بينما نحن الذين قال نبينا : (إنما أنا رحمة مهداة)، وقال له ربنا عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) يرانا العالم على هذه الصورة من القسوة والغلظة؟!. قد يكون بعض المسلمين غافلا أو جاهلا..هؤلاء فى حاجة إلى تذكرة وتعليم . أما الدعوة إلى الله فتكون لغير المسلمين . وأول أصل من أصول الدعوة هو: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). وقد حذر ربّنا نبيه الكريم: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضَوا من حولك). وحتى عندما كان المدعو هو فرعون ، كان الأمر فى التعامل معه :( فقولا له قولا لينا) .. فلماذا رعونة من يسمون أنفسهم الدعاة وتجهّمهم؟... إنهم يذبّون الناس عن الدين ، ويسيئون تقديم المسلم إلى الأمم. بينما المسلم قد أُمِر بالبشر والتبسم وإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف . هل يعقل أن نتفاخر برحمة الإسلام بالحيوانات حتى إن امرأة دخلت النار فى قطة لم تطعمها، وعاهرة دخلت الجنة فى كلب سقته ماء من بئر فى الصحراء، بينما نُسيىء التعامل مع شركائنا فى الوطن ونجفوهم ونعبس فى وجوههم؟. كيف نوحى للناس أننا نعامل الحيوانات بأفضل مما نعامل به الناس بينما لا شىء يسعد المسلم الحق قدر سعادته بخدمة الناس؟. وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : (خير الناس أنفعهم للناس). وليست مهمة المسلمين استعداء الخلق ، بل مهمتنا هى إظهار الجانب المشرق من الإسلام . وقد احترم النبى صلى الله عليه وسلم جنازة اليهودى وقام لها عندما مرت به قائلا لمن تعجّب من الصحابة : أليست نفسا؟. لم يقل النبى صلى الله عيه وسلم هذا غير مسلم يذهبون به إلى النار فلا يجوز أن أقوم له .. فكيف يحترم الميتَ بينما أتباعه يتواصون بالتضييق على الأحياء ؟ إن إمام الرحمة كان يقبل الدعوة إلى الطعام عند غير المسلمين ( تعلمون أنه أكل من كتف الشاة عند اليهودية قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم). لِمَ أشغل نفسى فى تعاملاتى مع الخلق بمن يذهبون به إلى الجنة أو النار وأنا لا أدرى إلى أين يُذهب بى أنا؟ . وإذا كان البعض لايشفع عندهم أن تورد لهم مثلا لسماحة النبى فى التعامل مع الآخرين كسماحه لنصارى نجران بأن يقيموا صلاتهم فى المسجد النبوى ، و تراهم يحرّمون على مواطنيهم أن يقيموا كنيسة لهم يتعبدون الله فيها، فلعلهم يقتنعون إن أوردت لهم ما فعل السلف، فهذا السلطان صلاح الدين الأيوبى ، أتدرون أن وزيره كان يعقوب بن كِلِّس اليهودى؟ إن القرآن الكريم كتاب الله لكل الناس. وقد وردت كلمة (الناس ) مرات عديدة فى القرآن الكريم ، وكما خاطب الله عز وجل المؤمنين قائلا : (يا أيها الذين آمنوا ) فقد خاطب الناس مباشرة قائلا: ( يا أيها الناس). والنبى صلى الله عليه وسلم، إمام الخلق، وقوله الشريف قانون لكل البشر. فلماذا نضيّق واسعا ونحرّم على الناس أن يستمعوا لهداه وينتفعوا بحكمته؟. تجد الناس يتناقلون كلمات مأثورة للقادة والزعماء والفلاسفة ويعتبرونها نبراسا للبشر يستخلصون منها الحكمة والعبرة.. بينما نحن ومعذرة للفظ نغمط سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم حقّه . فهو الأولى بأن نقدمه إماما لكل الناس فى كل الأزمان والأركان . وكلماته الشريفة ليست موجهة للمسلمين وحدهم . ويستحيل يمكن مقارنة جوامع كَلِمِه بأقوال الحكماء والفلاسفة الذين يستشهد بهم الخلق. فهو النبى الذى يوحى إليه، و بلاغته أكبر من أن يستأثر بها صنف من الناس. أرأيتم حديثه الشريف : (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة )؟.. إنه يؤكد على أن لكل إنسان أصله الذى يظهر فى سلوكه ومعاملاته بعيدا عن دينه أو عقيدته . لذلك قد نرى مسلما بخيلا أو جشعا ، أو نرى غير مسلم أمينا أو شفوقا. لقد بيّن ربنا عز وجل أن (من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما) لأن هذه طبيعته التى خلقه الله عليها. وهكذا صرنا نرى الألمانى أستاذا فى الإتقان والانضباط، بينما نرى المصرى أستاذا فى الفهلوة والإهمال. وكذلك الحديث الشريف الذى قيما معناه : من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد. لقد نشأ الخطأ فى الفهم من الخلط بين وصف الشهيد هنا مع الشهيد فى المعارك والغزوات، فهذا الشهيد يغسّل ويكفّن. إن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث يستحث كل إنسان أن يأبى الظلم ويتخلى عن الجبن ويدافع عن حقّه وشرفه بكل ما أوتى حتى وإن قُتل دون ذلك . فأن تموت أبيّا خير من أن تحيا ذليلا مهانا فاقد الكرامة.. فالحرية هى أول درجة فى الطريق إلى الارتقاء إلى الحق واتباع الصواب. وقد كان هدف الفتوحات الإسلامية أن تزيح الطغاة المتجبرين عن التحكم فى حياة الشعوب لتحيا فى حرية وأمان حتى تختار مصيرها . أفلا يستحق كل إنسان قاتل الغزاة والطغاة دفاعا عن بلده التحية والاحترام؟. إن الجنة لله يُدخل فيها من يشاء. والحديث لايتكلم عن الجنة. بل يتكلم عن تضحية الناس بحياتهم من أجل الحق والشرف والحرية. فلماذا تستكثرون الفضل والتقدير لمن تكاتف من المسيحيين مع إخوانه المسلمين فى الثورة العظيمة، و ثاروا معا ضد الطغيان، وضحوا بأرواحهم كى نحيا أحرارا كراما ؟.. نعم.. من مات فى التحرير دون مصر فهو شهيد ، مسلما كان أو مسيحيا ، وإن رغم أنف ابن أبى نعمان.