نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الخميس تحقيقاً كتبه من القاهرة مراسلها ديفيد كيركباتريك ومن واشنطن مراسلها ستيفين لي مايرز جاء فيه ان ادارة الرئيس باراك اوباما اخذت تبدي في الآونة الاخيرة نفاد صبرها ازاء المجلس العسكري الاعلى الحاكم في مصر حالياً بسبب ما يبدو من تلكؤه في نقل السلطة الى حكومة منتخبة والقبول بخضوع المؤسسة العسكرية لاشراف مدني. وفي ما يأتي نص التقرير: "بعد شهور من المزج بين الضغط الخفيف والدعم الواسع النطاق للمجلس العسكري الحاكم، شددت إدارة اوباما لهجتها، وفقا لكبار المسؤولين في الإدارة، وعبرت عن القلق من عدم تحرك المجلس نحو نقل السلطة للمدنيين، ما قد يؤدي لتهديد مفهوم ثورة الربيع العربي. وهذا التحول في النبرة هو جزء من عملية توازن صعبة بالنسبة لواشنطن، التي ظلت حريصة على المحافظة على روابطها العسكرية ومصالحها في المنطقة، وخصوصا دور مصر في استمرارية السلام مع اسرائيل. لكن واشنطن تأمل أيضا أن تحظى برضا المعارضة السياسية الجديدة في مصر التي تعززت قوتها، مع تجنب الظهور بمظهر المؤيد للانتقال البطيء الذي يشرف عليه الجيش نحو الديموقراطية. ومع اخذ كل الأمور في الاعتبار، فقد اقترح البعض هنا أن التغير في النبرة يمكن أن يهدف لتهدئة الرأي العام المصري وليس الضغط على لجيش لتسليم السلطة. وقال شادي الغزالي حرب، وهو ناشط ليبرالي بارز كان من قادة الثورة المصرية: "أعتقد أنهم يعملون من أجل مصالحهم، خصوصا الانتقال البطيء للسلطة. الولاياتالمتحدة تريد ضمانة بأن الحكومة القادمة على علاقة جيدة – ولا اقول موالية ولكن صديقة - للمجلس العسكري الحاكم، والدعم للمجلس العسكري له علاقة بذلك". وشددت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون على هذا التحول في خطاب لها الأسبوع الماضي وصفه مساعدوها بانه تحذير مقصود للمجلس العسكري الذي تولى السلطة في أعقاب خلع مبارك. وتعهد الجيش في البداية بتسليم السلطة للمدنيين بحلول أيلول (سبتمبر)، لكنه يقول الآن إن الانتخابات الرئاسية لن تجري قبل العام 2013. ووضع الجيش الأسبوع الماضي مسودة لمبادئ تحكم الدستور المقبل تعطي الجيش صلاحيات سياسية خاصة، وتحميه من الإشراف المدني على موارده. وقالت كلينتون محذرة: "إذا ظلت اقوى قوة سياسية حاكمة في مصر، بمرور الوقت، عبارة عن غرفة مليئة بسياسيين غير منتخبين، فسيكونون قد بذروا بذلك بذور قلاقل مستقبلية، وستكون مصر قد ضيعت فرصة تاريخية". واضافت: "عندما تقول سلطات غير منتخبة إنها تريد التخلي عن سلطة الحكم"، فان الولاياتالمتحدة تتوقع منهم "وضع خريطة طريق واضحة" و"الالتزام بها". ونظرا للدعم الطويل الذي قدمته واشنطن لمبارك، فإن تعليق كلينتون الشهر الماضي الذي وافقت فيه على الجدول الزمني المطول لانتخاب رئيس مدني أثار الشبهة حول نوايا واشنطن. وحدث التحول في الوقت نفسه في نطاق جهود أميركية واسعة النطاق لمواجهة المشاعر المناهضة لأميركا، والتقارب مع قادة المعارضة عبر مختلف ألوان الطيف السياسي. وقال نبيل فهمي، وهو سفير مصري سابق في واشنطن: "تريد الولاياتالمتحدة ان تحتفظ بالكعكة وتأكلها"، واحتج بان الولاياتالمتحدة تريد تعزيز الديموقراطية، من دون التعامل مع الضغوط التي ستنجم عن ذلك بخصوص مصالحها في المنطقة. واوجدت محاولات الجيش لحماية سلطته وامتيازاته إلى الأبد وضعا مزعجا لواشنطن. وقد عززت الولاياتالمتحدة، عبر البنتاغون خاصة، العلاقات الوثيقة مع الجيش المصري، الذي ما زال يتلقى مساعدات أميركية قيمتها 1,3 مليار دولار سنويا. ويأمل المسؤولون الاميركيون ان أي حكومة تأتي في مصر ستواصل دعم السياسة الأميركية، بما في ذلك الروابط مع اسرائيل والابتعاد عن إيران. وفي الوقت نفسه، ما زالت مكانة الولاياتالمتحدة في نظر الرأي العام في مصر وأرجاء المنطقة تعاني بسبب عقود من دعم الحكومات غير الديموقراطية مثل النظام المصري السابق الذي كان يسانده الجيش في عهد مبارك. والبقاء على مسافة بعيدة عن الجدل حول الدور المستقبلي للجيش يهدد بتقوية تلك الانتقادات، في وقت تعطي فيه التحولات الديموقراطية ثقلا جديدا للرأي العام. وفي إطار هذه المقاربة، اجتمعت إدارة اوباما مع جماعة الإخوان المسلمين التي يسعى حزبها السياسي للحصول على دور رئيسي في البرلمان المقبل، وتظل أكبر ثقل سياسي مضاد للمجلس العسكري. والتقى جاكوب ووليس، وهو نائب مساعد لوزيرة الخارجية الأميركية، للمرة الأولى هذا الأسبوع مع قادة حزب الحرية والعدالة الإخواني في مقره الجديد في القاهرة. وبينما كانت للدبلوماسيين الاميركيين اتصالات متقطعة مع الإخوان المسلمين في البرلمان المصري، فقد ذكر المسؤولون هنا أنه يبدو ان لقاء ووليس هدفه التشديد على وعود كلينتون بالتعاون مع الاحزاب الإسلامية التي تحترم الديموقراطية. وقال غيرهم أن الهدف، بدلا من ذلك، أن يكون الاجتماع مؤشرا الى أن واشنطن تدرك ببساطة أهمية الدور الأساسي الذي سيلعبه الإخوان في مستقبل مصر، اذ ان من المحتمل أن يفوزوا بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ هذا الشهر. وقال عصام العريان، وهو زعيم كبير في حركة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزبهم السياسي، الذي التقى ووليس: "أكدوا أنهم حريصون على دعم العملية الديموقراطية، وسيقبلون أي نتائج للانتخابات ويتعاملون مع اي حكومة تحترم حقوق الإنسان وحقوق النساء والاقليات والعملية الديموقراطية. ونحن حريصون على وراغبون في القول اننا نحترم العملية الديموقراطية، وحقوق كل ابناء الشعب حسب الدستور والقانون". وقال مسؤولون في الادارة تحدثوا بشرط عدم الكشف عن اسمائهم خلال مناقشة الرسائل الدبلوماسة المتبادلة انهم يأملون ان يؤدي مزيج من الضغوط الداخلية والخارجية على المجلس الى اقناعه بالتخلي عن السلطة والخضوع لاشرافٍ مدني. وقال المسؤولون انه بالاضافة الى التعليقات العلنية من الوزيرة كلينتون، حض مسؤولون اميركيون آخرون رفيعو المستوى المجلس على مراجعة اقتراحاته الاخيرة للاحتفاظ بالسلطة. ولاحظ المسؤولون ان قادة المجلس قاموا مراراً وتكراراً، منذ تنحي الرئيس مبارك، بعرض بعض الاقتراحات ثم التراجع عنها فقط بعد احتجاجات في الشوارع وضغوط علنية، ضمن حركة تقدم وتراجع مطولة يلاحظ البعض انها تعكس تجذر عملية ديموقراطية حقيقية وإن تكن مشوبة بالفوضى. لكن مسؤولين في الادارة الاميركية ونشطاء مصريين يلاحظون علائم مثيرة للقلق. وقال مسؤول رفيع المستوى في الادارة ان الجزء المركزي العسكري في حكومة الرئيس مبارك "اعاد توكيد نفسه مرة اخرى". واضاف ذلك المسؤول مشيراً الى الانتخابات المقبلة: "ليس لدينا توقعات كبيرة بان هذه ستؤدي الى ايجاد نظام ديموقراطي". وتابع المسؤول قائلاً ان الانتخابات ستكون " انتقالاً الى انتقال"، اي انتقالاً يمكن ان يترك العسكر بمثابة السلطة الحاكمة بحكم الامر الواقع في مصر لسنوات مقبلة، كما كانوا خلال حكم مبارك. وقال المجلس العسكري انه يعتزم الاحتفاظ بالسلطة السياسية العليا حتى بعد انتخاب برلمان في الاشهر المقبلة وانه سيقوم بدور ايضاً في وضع مسودة دستور جديد. وقد رفض الغاء "قانون الطوارىء" المعمول به منذ عهد مبارك، والذي يسمح باعتقال اشخاص وحبسهم من دون محاكمة، كما ارسل ما يصل الى 000،12 مدني لمحاكمتهم في محاكم عسكرية. وبينما قد تزعج التغييرات في لهجة الادارة حليفاً محورياً حيث تسود مشاعر مناوئة لاميركا ويوجد فيه ايضا تأييد للعسريين من جانب بعض الفئات، فان الادارة تتلقى ايضاً بعض الثناء النادر من النشطاء هنا الذين يقولون انهم يقدرون مساعدة واشنطن. وقال عماد جاد، وهو محلل في معهد الاهرام للابحاث الممول حكومياً، وهو يقود الآن الحزب الاشتراكي الديموقراطي: "اعتقد ان وزيرة الخارجية المسز كلينتون بعثت برسالة واضحة الى المجلس العسكري الاعلى، واعتقد انهم فهموا تلك الرسالة: وهي ان المجلس ليس هيئةً منتخبة ويجب ان يتخلى عن السلطة ويسلمها". ورأى جاد ان مثل هذا الضغط من شأنه على المدى الطويل ان يفيد علاقة اميركا مع مصر ديموقراطية، واضاف: "اعتقد ان اكثر من 50 في المائة من المصريين يرون ان المجلس العسكري الاعلى يحاول وأد الثورة المصرية".