عندما نشات جماعة الاخوان المسلمين على يد مؤسسها حسن البنا في بدايات القرن الماضي كان هدفها اصلاحي اجتماعي، ولكن عندما انتشرت الجماعة في ارجاء مصر، وكثر عدد مريديها بما لم يتوقعه مؤسسها نفسه، طمع في أن يكون لجماعته دوراً اكبر، واتجه لممارسة اللعبة السياسية، وهذا حق مشروع في حد ذاته لأي جماعة أن تستغل قوتها وتتحول لحزب سياسي تنافس من خلاله للوصول إلى السلطة لوضع أهدافها موضع التنفيذ، ولكن الإخوان فضلوا العمل الخفي غير المشروع، وهو ممارسة السياسة من خلف ستار الدين، مستغلين التدين الفطري للشعب المصري منذ القدم .. الغريب في الأمر أن جماعة الإخوان ظلوا ينكرون رغبتهم في الوصول إلى السلطة أو ممارسة اللعبة السياسية رغم أن كل أفعالهم كانت منخرطة في السياسة. ورغم أنهم كما يزعمون جماعة دينية تهدف للاصلاح وتحقيق المثل وإقرار القيم العليا والمبادئ في المجتمع، إلا أنهم طبقوا مبدأ لا يلتزم بأي قيمة أو مبدأ، مبدأ منفعي بحت وهو "الغاية تبرر الوسيلة"، ولكي يزيفوا ويضللوا وعي مريديهم أوجدوا له صيغة دينية " الضرورات تبيح المحظورات "، وكعادتهم دائما يلبسون السياسة ثوب الدين حتى يضفوا على أعمالهم الشرعية وربما القدسية في بعض الأحيان، ومن ثم يقمعوا معارضيهم معنوياً قبل أن يكون مادياً. وتطبيقاً لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة أو الضرورات تبيح المحظورات تحالفوا مع من يتصورون أنه الأقوى، والأقدر على تمكينهم من تحقيق هدفهم في الوصول إلى السلطة أو التأثير عليها، حتى ولو كان هذا الأقوي أو الأقدر يخالفهم المنهج والمبدأ، وتصوروا في ذلك أنهم الأذكى وانهم قادرون على خداع من أمامهم، ويستطيعون استخدامه لخدمة أغراضهم، وهذا قمة الغباء .. فحين تعتقد انك أذكى من الآخرين فأعلم أنك غبي. وها هي وقائع التاريخ تثبت أن من اعتقد الاخوان المسلمون أنهم يستخدمونهم لتحقيق أهدافهم، هم من استخدموا الجماعة لصالحهم، بل ونكلوا بهم بعد ذلك؛ فقد تحالفت الجماعة مع النظام الملكي المستبد ممثلاً في الملك فاروق، فكانت استعراضات الجماعة تخرج هاتفة باسمه ضد حزب الأغلبية الشعبية "الوفد" آنذاك، حتى انقلب عليهم الملك، واشترك في التدبير لاغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا. ثم تحالفوا مع الضباط الأحرار، طمعاً في الحصول على السلطة أو أخذ نصيب منها، فما كان جزاؤهم سوى الملاحقات الأمنية، والتنكيل بهم في السجون والمعتقلات. ثم تحالفوا مع خليفة عبد الناصر – السادات- وظنوا أن السلطة دانت لهم حين منحهم نظام السادات فرصة العمل في الجامعة والشارع المصري، وغض الطرف عن ممارستهم الوحشية والعنيفة ضد خصوم النظام من الناصريين والشيوعيين، وهكذا استخدمهم السادات للقضاء على خصومه، ثم انقلب عليهم حين وجهوا النقد لسياساته، وحدث الصدام بينهم وبين النظام ووصل الأمر في النهاية لإغتيالهم للرئيس السادات. ثم جاء خليفة السادات –المخلوع مبارك- ليشن حرباً على الجماعة، استمرت حتى منتصف التسعينات، حتى استطاع نظام المخلوع مبارك أن يقضي على الجناح العسكري للجماعة، وتخلت الجماعة مؤقتاً عن نهج العنف، فيما سمى بمراجعات الجماعة. وبدأ النظام يستخدم الجماعة لخدمة أهدافه؛ في كونه يظهر أمام الغرب والولايات المتحدة باعتباره حليف هام واستراتيجي في حرب الارهاب الديني، وفي المقابل استخدمت الجماعة مساحة الانفتاح الديمقراطي التي كان النظام يجمل بها صورته أمام خصومه، وعقدت الجماعة صفقة ضمنية مع النظام؛ بأن يغض الطرف عن الجماعة في النقابات ومؤسسات العمل الأهلي، مقابل ألا تطمع الجماعة فيما هو أكثر.. ثم عقد النظام في السنوات الأخيرة أكثر من صفقة منها المعلن أو غير المعلن لتمرير مشروع التوريث، ومواقف النظام من العلاقة مع اسرائيل والقضية الفلسطينية، والولايات المتحدةالأمريكية. ولذلك لم يكن غريباً أن نجد تصريحاً يقول فيه محمد مهدى عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين فى حوار لموقع «إخوان ويب»، الناطق بلسان الجماعة باللغة الإنجليزية: "إن الجماعة توافق على ترشيح جمال مبارك رئيسًا لمصر". هذا بالإضافة إلى موقف الجماعة من الثورة المصرية؛ فقبل يومين من إندلاع الأحداث رفضت الجماعة الخروج عن الحاكم وكانت دعواتهم لأنصارهم بعدم النزول يوم 25 يناير، وقاموا بنشر روايات وأحاديث وفتاوى دينية تُحَرِّم الخروج عن الحاكم (المخلوع حسني مبارك). وبعد الثورة بيومين تحول موقف الجماعة360 درجة ضد الحاكم ووصفوه بالطاغية والمستبد والفاسد، وأنهم مع الثورة تماماً، وتأييد تام للدولة المدنية الحديثة ومع الحرية و العدالة الإجتماعية، والمسلم و المسيحي يد واحدة. ومرة أخرى يتخلى قادة الجماعة عن الثورة؛ ففي خضم الثورة، وأثناء صمود الشباب المصري الحر واستبسالهم من أجل اسقاط النظام قاموا بالاتصال مع رموز النظام المخلوع، وعرضوا في اجتماعهم الشهير مع نائب الرئيس –المخلوع- عمر سليمان قيامهم بإيقاف المظاهرات مقابل إعطاءهم دور في المشهد السياسي المصري!!!. وعقب نجاح الثورة في الإطاحة بمبارك، أعلن مجلس شورى الجماعة أنهم سيترشحون في إنتخابات مجلس الشعب على 20% من مقاعد مجلس الشعب إيماناً منهم بعدم إنفراد أي جماعة أو حزب بالبرلمان، وأنه لابد من أن يكون هنا إئتلاف!، وبعد هذه التصريحات بشهر أعلنوا أنهم سيترشحون على 50% المقاعد ! وبعدها بشهر آخر أعلنوا أنهم سيترشحون على أكثر من 70% من المقاعد! ثم أعلنوا أنهم سيطبقون الشريعة الإسلامية، وأنهم ضد الدولة المدنية في تحول سافر لمواقفهم يوم تلو الآخر. وهنا لابد أن نشير إلى أن رؤية الإخوان للديمقراطية أقرب إلى تقنين انتخابى للوصاية على النخبة والجمهور، فى إطار رؤية أشمل تحلم بالوصاية على البشرية كلها! فالديمقراطية تبدو فى فكر الجماعة حتى الآن مجرد أداة مناسبة ل”الاستعلاء بالحق” (مثلها مثل مراجعات الجهاديين). ومن هنا تم تبنيها من منطلق براجماتى. فالأمر ببساطة أنه نظرا لأن دعوتهم منتشرة فإن طريق الانتخابات يتيح لهم مشروعية، يعتبرونها حديثة وديمقراطية، تبرر أمام الآخرين وضع أيديهم الثقيلة على مخالفيهم والتحكم فيهم وإعادة صياغتهم على صورتهم ومثالهم، أو التضييق عليهم بحرمانهم من حقوق المواطنة الحقيقية، سواء كانت أقلية دينية أو تيارات سياسية أو فكرية. واتساقاً مع نهج الجماعة عبر تاريخها الجماعة في تحالفهم مع من يتصورون أنه يملك السلطة وأنه الأقوى والأقدر، نرصد تأييدهم لقرارات المجلس العسكري، ونهجه في إدارة شئون البلاد بعد الثورة، وهو النهج الذي تنتقده وترفضه الجماعة الوطنية المصرية فيما عدا الإخوان .. وفي هذا السياق، نشير إلى دراسة أمريكية بعنوان ("الإخوان والسلام" أو فلنقل "الإخوان والعسكر")، منشورة في أحدث إصدارات مجلة الشئون الخارجية "فورين أفيرز" (عدد سبتمبر/ أكتوبر 2011) وهي بقلم اثنين من الأكاديميين الباحثين في مؤسسة "راند"، الأستاذان "جيف مارتيني وجولي تايلور" تؤكد أن زعماء الإخوان يعتقدون أن توطيد مواقعهم في ساحة السياسة المصرية إنما يقتضي منهم إقناع العسكر بأنهم لا يشكلون خطرا على النظام الأساسي القائم، ولهذا يسعون بكل الطرق لكسب رضاء المجلس العسكري الحاكم، حتى ولو كان على حساب خروجهم على اجماع الجماعة الوطنية المصرية، أو تحقيق مبادئ وأهداف ثورة 25 يناير، وهو ما بدا واضحاً في حشدهم لأنصارهم في مظاهرات تأييد لسياسات المجلس العسكري في مواجهة طلبات المحتجين التي عبرت (أو تجاوزت) الخطوط الحمراء التي سبق الى وضعها العسكريون. وفي المقابل يرى المجلس العسكري في "الإخوان" شريكا جذابا، لا من منظور أي تقارب عقائدي ولكن لكون هذا الشريك يتمتع بقبول شعبي من جانب، فيما يتسم بحالة من الاستضعاف القانوني يمكنه من استهداف حزبهم الجديد "العدالة والحرية" خاصة في ضوء ما ينص عليه قانون الانتخابات من عدم طرح شعارات دينية.. فالإخوان لم يفعلوا سوى الفصل بمعنى شكلي أو إجرائي بين الجماعة والحزب، ولم يفصلوا بحق الدعوة والطروحات الدينية عن العمل السياسي. وإذا ثبت للمجلس العسكري أن هذا التحالف غير الرسمي مع الجماعة يمثل خطراً على حكم العسكر في الأجل الطويل على غرار نموذج العدالة والتنمية في تركيا، وهو ما يمكن أن ينزع السلطة من يد القوات المسلحة في مصر، أو أن الإخوان باتوا يحظون بصوت (مسموع) في سياسة البلاد أو يتخطوا الخطوط الحمراء التي وضعها لهم المجلس مقابل المؤازرة التي يمنحونها للمجلس، فيمكن للعسكر أن يوجهوا ضربة قاصمة للجماعة على غرار ما فعله بها الضباط الأحرار، وحل الجماعة وحزبها، بعد أن تكون قد أدت مهمتها بالنسبة للمجلس، وحينها سوف يلتقى هذا التصرف ترحيباً من باقي القوى الوطنية التي ضحت بها الجماعة من قبل لمصلحة فردية. هذا النهج البرجماتي الذي تتبعه الجماعة عبر تاريخها وعلى شاكلتها جماعات الاسلام السياسي، سوف يجعلهم يكررون خطأهم التاريخي ويخسرون الفرصة التي لاحت لهم مجدداً في أعقاب ثورة 25 يناير لكي يثبتوا للجماعة الوطنية المصرية أنهم جزء أصيل منها، وأنهم عازمون بالفعل لنقل مصر إلى دولة العدل والقانون، وليسوا مجرد الوجه الآخر للحزب –الحزن- الوطني الديمقراطي. إلا أن مداهنة الجماعة للمجلس العسكري، وشقهم صف الجماعة الوطنية سوف تمنح العسكر الفرصة لمحاربة والقضاء على فصائل الثورة واحدا واحدا منفردين، وعندما ينتهي منهم سيسحق الاخوان سحقا. فالاخوان سيدفعون حتما الثمن إن هم استمروا بسلوكهم هذا، وسيدفع الوطن كله ثمن غباءهم السياسي نتيجة تحالفهم غير الطبيعي مع المجلس العسكري، واستخدامهم الدين في غايات سياسية رخيصة. وسيكشف حينها المصريون حقيقة هذه الجماعة ومن على شاكلتها من تجار الدين، بعد أن ظلوا سنوات يتحججون بقمع النظام السياسي لهم، ومنعهم من ممارسة العمل العام لخدمة الوطن، ها هي الفرصة واتتهم بفضل شباب الثورة وشهدائها، وبرغم ذلك يتحالفون ضدهم مع العسكر، ويتهمون هؤلاء الشباب الشرفاء بالكفر والالحاد، ويطلقون عليهم فتاويهم الظلامية الجاهلة، يبيعون الوطن للحصول على السلطة، ولن يجنوا من وراء ذلك سوى ما جنوه عبر تاريخهم من تهميش وتنكيل، ولكن هذه المرة لن تتعاطف معهم الجماعة الوطنية، وسوف يضعونهم في ذات الخانة مع الحزب – الحزن – الوطني البائد. لذا أدعوا شباب الاخوان، الذين لا ينكر أحد فضلهم على الثورة المصرية، وكيف كان شأنهم شأن كل شباب مصر في كل الميادين يبذلون الغالي والنفيس .. الدماء والروح من أجل نجاح الثورة ونيل حرية مصر، هذا الشباب المؤمن بالله والوطن لابد أن يحتل مكانة الآن في صنع تاريخ مصر، وأن يتخلص من قيود كهنوتية رجعية نفعية، لا تراعي الله في وطنها وأهلها .. فالقضية واحدة والمصير واحد. أخيرا أقول لكم لا تكرروا خطأ الآباء .. ولا تقولوا هكذا كان آباؤنا.