«لا تسير خلفي.. فأنا قد لا أقودك» قالها ألبير كامي صاحب «الغريب» ثم أضاف «ولا تسير أمامي.. فأنا قد لا أتبعك، فقط سير بجواري وكن صديقي». هكذا نختار الصديق قبل اختيار الطريق.. ونحن كلنا علي أمل بأننا سوف نجد طرقا جديدة مع كل طلعة شمس.. ويوصي الأب ابنه في قصة «أحلام الناي» لهرمان هسه قائلا:» أنا طلبت صنع هذا الناي لك، لأنك لا تحب عملا سواه، ولا يطيب لك الا أن تغني دائما، ولكن تأكد دائما انك تختار الأغاني المشرقة المرحة.. والا ستكون الهبة التي أودعها الله فيك مدعاة للأسف» وبالطبع غناء الحلم هو المطلوب وليس اجترار الكابوس!! واحنا مش ناقصين. وكلما شهدت الصخب المثار حولنا تجاه أي عمل فني أو ابداعي أتذكر عصا توفيق الحكيم وقد نطقت حكمة (بعد أن سكتت دهرا) عندما قالت: «ان الفن واسع ولكن عقول الناس هي الضيقة». وقد نطقت العصا منذ أكثر من 50 عاما. وتوصيفها (مع الأسف) ساري المفعول حتي الآن. لذا لزم التنويه. وسواء كان حديثنا مع اشراقة شمس جديدة عن الصديق أو الأغاني المشرقة المرحة أو أحلام الناي أو عقول الناس الضيقة فإن التساؤل الذي يطرح نفسه دائما «هل من جديد تحت الشمس؟» أم أن الأمور مثلما كانت ومازالت وصارت وحدثت وشاخت وباخت.. ظلت «كما هي».. «حطة ايدك» و«لا جديد تحت الشمس». «لا طبعا مش ممكن ده يكون أسلوبنا» يقولها سمير مضيفا «وايوه زيح الستارة وافتح شيش الشباك وافتح الباب واخرج للدنيا وأكيد لازم تشيل نظارة الشمس السودا.وكل ده عشان تشوف الشمس وتشوف الدنيا». منذ فترة ليست ببعيدة تابع البشر في جميع بقاع العالم الكسوف الجزئي للشمس. الشمس الحارقة والضاربة والساخنة والدافئة والمضيئة والمشرقة.. «اتكسفت». تصوروا!! «ياسلام الشمس الكبيرة والعظيمة تتكسف» كما قالت الصديقة نهي ساخرة » ونحن نري ناس كتيرة حوالينا لا بتتكسف ولا بتختشي.. واللي اختشوا ماتوا، وطبعا كلنا شايفين مع كل طلعة شمس ناس ياما وكبار ياما بيعملوا مصايب ياما من غير كسوف أو احم كأنه عادي». وطبعا ياما سمعنا» ان الناس بتخاف ماتختشيش». أوهكذا يتم وصف الداء ومن ثم كتابة الدواء العصا. ويقال «العصا لمن عصي». وأكيد عصا عن عصا تفرق. وليست كل عصا مثل عصا توفيق الحكيم حكمة وفهما وتفهما للطبيعة البشرية وتقديرا لعزة الانسان. تقول عصا الحكيم في حواراتها مع الكاتب:» حقا..ان الأمة الحية يحيا فيها أمواتها.. والأمة الميتة يموت فيها أحياؤها» وتقول أيضا: «حقا.. لا فائدة من علاج الغلاء قبل أن نعالج بطوننا وترفنا.. لاشئ يقتل البائع الطامع غير المشتري القانع». والشمس التي «اتكسفت» منذ فترة ( يوم 15 يناير 2010) أمام اعجاب وذهول العالم فحكايتها حكاية. فهي تعد أقرب نجمة للأرض ( الكوكب العضو في المجموعة الشمسية) وتقع علي بعد 149،60 مليون كيلو متر. ودرجة حرارتها 15 مليون درجة مئوية. ومساحة سطحها تسع لنحو 109 كواكب أرض، أما حجمها فيسع لنحو مليون كوكب أرض. كما أن الشخص الذي يزن نحو 150 رطلا (67،5 كجم) علي الأرض فان وزنه سيكون 4،200 رطل (نحو 1900 كجم) علي سطح الشمس، لأن جاذبية الشمس تعادل 28 مرة جاذبية الأرض!!. وطبعا عبر أزمنة عديدة وفي بقاع كثيرة بالدنيا عبد الانسان الشمس. والمصري الذي اعتبر «رع» إله الشمس وجد نفسه بعد قرون في محنته يدندن الأغنية الرجاء» قولوا لعين الشمس ماتحماشي». ونذكر هنا أيضا رواية «في عين الشمس » للمصرية المبدعة أهداف سويف. وهي الرواية المكتوبة باللغة الانجليزية التي أبهرت عشاق الأدب ومصر والدنيا. تري متي ستتوافر الفرصة للقارئ باللغة العربية ويتاح له الحق في أن يستمتع ويحتفي بهذه الرواية؟!. والشمس ورانا ورانا.. أو أمامنا أمامنا في كل بقعة ذهبنا اليها. ويا ويل من «فقد ظله» في زحام الحياة ومشاغل الدنيا وصراعات البشر. وهنا يتدخل صديقي سعيد قائلا: «ياويله وسواد ليله.. من راح ورا الشمس بعد اعتقاله أو بتعبير أدق من خدوه ورا الشمس» ويضيف سعيد «ويا لسخرية القدر وعبثية التعبير أن نري أو نسمع أن زوار الفجر أتوا قبل الشروق عشان يخدوا الشخص ورا الشمس».. وللكاتب السوري الساحر زكريا تامر قصة قصيرة جدا بعنوان «صديقتي الشمس» يحكي فيها: لم يستطع الطفل أن ينجح في محاولته أن يجابه ضياء الشمس بعينين مفتوحتين، فأحني رأسه مكتئبا، وقال لأمه: «الشمس تكرهني». فقالت الأم: «الشمس تحب كل الناس». فقال الطفل باصرار: «الشمس لاتحبني». ورحل النهار بخطي متئدة مصطحبا معه شمسه ذات الوجه الشاحب، وهطلت الأمطار غزيرة في الليل ثم أقبل الصباح أبيض رطبا. وصاح الطفل فرحا حين عثر في باحة البيت علي عصفور صغير يرتعش من البرد وقد بلله المطر، وسارع الي اطعام العصفور من فتات الخبز، غير أن العصفور ظل ضعيفا يرتجف من الصقيع والخوف. وبدا للطفل أن العصفور قد يموت في أي لحظة، فامتلكه الاضطراب والجزع، ولكن ما ان رحلت السحب الرمادية عن السماء، وعادت الشمس الي الظهور حتي بدأ العصفور ينطنط بمرح، ولم يمض سوي وقت قليل حتي طار العصفور مرفرفا بجناحيه، فتطلع الطفل الي الشمس بعينين امتزج فيهما الخوف والشكر والوداعة، ثم ابتسم لوجهها الذهبي ابتسامة من اختار ما سيحبه حتي النهاية. وزكريا تامر كاتب ساحر وساخر معا، يحكي ببساطة حكايات عن حياتنا وآلامنا وأحلامنا. تلك البساطة التي تنبه وتؤلم وتقول لك «اصحي وفوق» وتقول لك «حاجات كتيرة انت مش واخد بالك منها أو واخد بالك بس متردد أو خايف تتكلم عنها». زكريا تامر من مواليد دمشق عام 1931. وترك المدرسة في مرحلة مبكرة واضطر للعمل في مهنة الحدادة ثم كتب القصة القصيرة والخاطرة الهجائية الساخرة وقصص الاطفال وشغل مناصب عديدة.. ويقيم منذ عام 1981 في بريطانيا. وبالتأكيد كان «شئ يفرح القلب» أن يتم تكريمه في القاهرة في ملتقي القاهرة الأول للقصة العربية القصيرة. وطبعا كانت ومازالت فرصة طيبة لنلتفت لهذا المبدع ( 78 عاما) الذي نذر حياته وابداعه لفن القصة القصيرة. وقد قال عقب تسلمه الجائزة «عندما يسألني البعض لماذا لا تكتب الرواية اندهش.. وكأنهم يذهبون الي صانع الخبز ويسألونه لماذا لا تبيع الورد؟». وتعد مجموعته القصصية «النمور في اليوم العاشر» من العلامات المتميزة في مسيرته الابداعية التي تضم أيضا «صهيل الجواد الأبيض » و«ربيع في الرماد» و«رعد» و«دمشق الحرائق». وقد كتب عنه الشاعر الكبير محمد الماغوط» لم يتخل (زكريا تامر) عن مهنته الأصلية، بل بقي حدادا وشرسا ولكن في وطن من الفخار، لم يترك فيه شيئا قائما إلا وحطمه، ولم يقف في وجهه شئ سوي القبور والسجون لأنها بحماية جيدة». ولا شك أن المبدع والخلاق والفنان والشاعر وكل انسان يريد أن يبدع ويقول ويطير في سماوات الفن أو يغوص في محيطات الحكمة لا يتردد ولا يعتذر ولا يستأذن. فالشاعر المفكر أدونيس كتب يوما «أيها الشاعر لا تستأذن حتي الشمس» ذاكرا «أليس من الأجمل والأكثر اغواء ألا تستأذن الذاكرة في المبادرة والعمل.. وألا تستأذن حتي الشمس في الفن والحب». وعفوا الفن أو الحب لا يعرف ولا يجب أن يعرف الاستئذان. وعندما أجلس مع الصديق العزيز تامر لنتناقش حول هذا المفهوم يقول «طبعا مش ممكن نقول بعد اذنك عايز أفنن أو عايز أحب.. هو ده معقول. ومن غير مانقول لا مؤاخذة أو احم أو العواف خلينا نبدع ونعشق ونقول ونحتضن ونصرخ ونغازل ونلون ونرقص ونغني وطبعا احنا مش مكسوفين. وأكيد الشمس نفسها وقتها حتكون سعيدة لما تلاقي فن جديد وحب جديد تحت الشمس». عفارم عليك يا تامر دي ضربة معلم أو فلنقل ضربة شمس!! أخيرا مهما طال الليل فالشمس أكيد حتشرق.. وطلعة الشمس.. بترد الروح وتنعش القلب وتدفئ الجسم طبعا وتخلي الطيور تغني والزهور تتمايل وأكيد الشمس بتحبنا.. بتحب كل الناس بلا استثناء وبتحب أن يكون كلامنا واضح زي الشمس وأن تكون عقولنا مضيئة وبتشع زي الشمس برضه وأن تكون مشاعرنا دافية وحميمة وأحيانا حامية كمان زي الشمس والأهم أن تكون أيامنا بشروقها وغروبها مليانة حياة وحيوية وحرارة.. وتكون مشرقة زي الشمس وبيني وبينك.. لا داعي أبدا أن نقول ونكرر ونزيد ونزايد السحابة السوداء وغيرها ولا داعي نلبس النظارة السوداء ولا أن نسود نظرتنا لدنيانا الدنيا لسه بخير والشمس بتحبنا أكيد.. وكمان بتحبنا كل يوم