ذهبت في شهر يونيه الفائت الي أحد المؤتمرات الطبية في العاصمة البريطانية لندن. وكانت المحاضرة عن التهاب الكبد الوبائي “فيروس س" وعلاقته بالحمل. وعلي الشاشة ظهرت خريطة للعالم مبينا بها المناطق المتفشي فيها المرض بألوان مختلفة. فالبلدان ذات اللون الأحمر هي أكثر البلدان المتفشي فيها المرض, وذات اللون البرتقالي أقل وهكذا. شفرات مختلفات تبين تفشي المرض في الأوطان بألوان عدة. وتنبهت كل حواسي وتسارع نبض قلبي عندما رأيت مصر علي الخريطة ملونة باللون الأحمر ومعها بعض البلدان الأخري القليلة من مجاهل أفريقيا واسيا. وغبت يومها ودار رأسي. وأن كنت أسمع اسم مصر يتردد كثيرا في المحاضرة. "ايجيبت" الغالية أصبحت مثالا يدرس علي تفشي المرض واستفحاله!. نكست رأسي وتحسرت علي حالنا وحال بلادي. فبدلا من ان أسمع اسمها مترددا في المحافل الدولية كبلد ذات شأن عظيم, كما تستحق, سمعت اسمها وهي تحمل بجدارة أعلي نسبة عدوي بالفيروس س. فوق العشرين بالمئة, كما تؤكد منظمة الصحه العالمية!. أكثر من عشرين بالمئة مصابون بالداء!. بداء فتاك عضال. ينهش ويتوحش في أكباد خمس المصريين. لاتطعيم له واق ولا علاج ولاترياق. طريقه معروف ونهايته محتومة!. أما المعاناه من فشل الكبد بعذابه أو الصراع مع سرطانه بالامه, حتي يأتي الأمر. أما العلاج فأن وجد فهو فاحش الثمن أو مشكوك في جدواه أو غير متوافر من الأصل. ويسألني أحدكم, ولماذا لاتوفر الوزارة لهؤلاء المرضي العلاج اللازم كما يحدث في كل بلدان الدنيا, عندما تتحمل البلاد المتحضرة مسؤولية علاج مواطنيها؟. وهذا لعمري ألطف سؤال مضحك سمعته!. فبالله عليكم كيف يمكن اذن أن تسدد الوزارة مرتبات وزيرها ومستشارينها ووكلائها ومديريها المقدرة بالملايين شهريا؟ وكيف تركب المكيفات وتفرش المكاتب وتجدد الحمامات؟. فكيف بالله تعالجكم الحكومة يامصريين؟ أليس الأسياد أولي؟ ألم ترو وزرائكم الذين غاروا يصرفون الملايين من ميزانية وزارتكم في أمريكا للاطمئنان علي عيونهم أو علي صحة زوجاتهم؟ ألم تروا رئيسكم المخلوع بنفسه وجلالة قدره يعالج كلما وهن أو مرض في ألمانيا؟ وألم تلد زوجة ابنه ولي العهد حفيدته في بريطانيا؟ وألم يرسل حفيده الطفل -رحمه الله وغفر له- الي اسرائيل للعلاج عندما مرض بالطائرة؟. فلماذا لم تفعلوا أذن مثلهم؟؟. أنتم الملومون يامصريون. أنتم من طاهرتم أولادكم في موالدها وحلقتم ذقونكم عند حلاقينها. وأنتم ياعاشقين من قبلتم حبيباتكم في أفواههن, وأنتن يانساء من عاشرتن, بلا عازل, أزواجكن. وأنتم من مرضتم وقبلتم العلاج بأدوات غير معقمة, وعالجتم أسنانكم عندما آلمتكم وصرختم ,وكان أولي أن تصبروا. أنتم من ذهبتم بأرجلكم للعلاج في مستشفيات تأبي ان تلقي ببواقي خيوط الجراحة المستعملة في القمامة وتلقيها بدلا في أبدانكم, وتغسل القفازات المستعملة من الدماء بالماء, لتجري بها جراحاتكم ولتخيط بالخيوط الملوثة جروحكم. وأنتم يامصابي حوادث الطرق من رضيتم بالدم الملوث ينقل الي عروقكم ويسري في أجسادكم ولم تعترضوا أو تقولوا لا... نعم..أنتم الملومون!. ولكني لن أسكت أبدا علي هذه الحال. ومن الأن فصاعدا, وهذا أمر لكم يامصريين لن أقبل له ردا!, علي أم الوله "حكشة" والتي طاهرت أولادها السبع من قبل في المولد الكبير, من الآن فصاعدا, أن تذهب الي سفارة بريطانيا للحصول علي تأشيرة للسفر فورا لطهارة "الوله" في مستشفي سان توماس في لندن. وعلي عم علي كناس البلدية, من الآن فصاعدا, أن يدخر من المائه وخمسين جنيها راتبه الشهري ليبتاع بها العوازل الطبية ليملأ بها القفة التي بجوار فرشه نومه. وعلي العم جرجس بواب العمارة أن يصبر علي خراريج ضروسه حتي يسافر, وعلي "ستهم" بائعة الفجل والجرجير, الجالسة علي الناصية القريبة بمشنتها, أن تتحمل أوجاع وألام مرارتها. وعليها أن تطير فورا إلي "كليرمون فيران" في فرنسا, الأولي في جراحة المناظير لتزيل مرارتها. ويتبادر الي ذهني الأن سؤال بسيط ولعله ساذج. ماذا فعلت أو ستفعل وزارة الصحة بمستشارينها ازاء هذه المصيبة؟. كنت قد قرأت مقالا يلقي بالمسؤلية في تفشي المرض علي الوزارة, منذ ان كثفت حملاتها لعلاج البلهارسيا عن طريق الحقن. وكانت وقتها الحقن البلاستيكية المصممة للاستعمال مرة واحدة لم تعمم بعد. والله أعلم أن كان هذا أمرا صحيحا أم لا, ولكني كنت قد قرأته, فذكرته, لا أكثر!, فأن كان خطأ فأعتذر. ولكني أسأل الآن السادة المسئولين عن الحل!. وأن كان كما أتوقع لايوجد أي حل, والا ماكان قد استفحل!. وطالما لايوجد حل, فأني أرجو من مسئولي وزارة صحة مصر الجديدة أن يكون لديهم علي الأقل.. رؤية. رؤية واضحة لحل, علي المدي القريب, يمنع تفشي هذا المرض أكثرمن ذلك, وعلي المدي البعيد للقضاء عليه نهائيا. وهذا أقل القليل المطلوب مقابل الملايين, ملايين السادة المستشارين. وأن كنت, للأسف.. أشك.. داعيا ربي أن أكون مخطئا. هدانا وأياكم سواء السبيل.