هل تعاني من صراع حضاري داخلي؟ يعني تصحي الصبح حاسس إنك بني آدم، لكنك بمجرد أن تبدأ في ممارسة حياتك بذلك الإحساس في عفوية وتلقائية شديدين، تصدم بأنك بني آدم بس مش أوي يعني، أو بني آدم بس ما تسوقش فيها، أو في أحيان أخري كثيرة مش بني آدم خالص ولو مش عاجبك اخبط دماغك في أقرب حيطة! يحدث هذا الصدام الحضاري المروع بشكل «مادي» بين ما يدور داخلك تجاه نفسك وما تواجهه بمجرد نزولك إلي الشارع وفي المواصلات وتعاملك مع أي جهة حكومية وتطوعك بأن تذهب لتدفع ما عليك للوطن - اللي هو الحكومة حالياً - من فاتورة تليفون أو كهرباء أو استخراج بطاقة الرقم القومي أو.. أو.. ويمتد بعدها ليشمل الجانب «المعنوي» داخلك، إذ رغم كل المحاولات المضنية التي يقوم بها الوطن بجدية وإصرار - شديدين أيضاً - لنزع إحساسك الخاص بأنك كمصري شخص ذو طابع حضاري خاص وإنك - مثل باقي الشعوب التي تؤمن بأنها ذات تاريخ وحضارة - لا تقبل الإحساس بالدونية، إلا أنك متمسك جداً بإحساسك هذا، وأنه رغم الجهود الضخمة التي تقوم بها حكوماتنا المتعاقبة لإقناعك بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، إلا أنك تري دائماً العكس وأن ما يجري لا يمت للإبداع بصلة أصلاً، ولا تستجيب للنداءات المتتالية التي تدفعك للقبول بالهزيمة حضارياً، وتحط لسانك في بقك، وعقلك جنب رجلك، وتقعد ساكت. لماذا إذا لا نستجيب؟ لماذا لا يسحقك هذا الضغط المادي والمعنوي المستمر عليك؟ ومن أين نستمد ذلك الإحساس؟ أعتقد أننا نملك في تكويننا الجيني الجماعي ما يجعلنا دائماً موقنين بأننا نقدر علي صنع حضارتنا الخاصة - التي ليست بالضرورة تشبه الحضارة السائدة في الغرب المتقدم - وأننا نقدر علي تحدي الصعاب وأن كل منا علي المستوي الفردي يملك داخله هواية خاصة في محاولة صنع تاريخ مختلف لنفسه ولوطنه. يحدث علي التوازي لهذا الشموخ والوعي الحضاري لدينا بعد آخر ذاتي ومذهل فتجد أن معظمنا يعاني حالياً - نتيجة للجهود المبذولة السابق ذكرها ونتيجة أيضاً لضعف المحتوي الجيني مع توالي الأجيال - من ترهل واضح في جيناتهم الحضارية. ذلك أن نفس الشخص الذي يعاملك بكل أدب وإخلاص لا يجد في نفسه أي مانع أن يركن سيارته بعرض الشارع، وآخر يتبرع للفقراء في رقي حضاري بالإحساس بالغير، تجده منهمكاً في النفاق الاجتماعي بشكل صارخ. أصبحت سماتنا الحضارية رخوة وغير متماسكة تقبل بالشيء وضده في الوقت نفسه، يساعدك أحدنا في محنتك بكل طاقته لكنه إذا اختلف معك ولو في أبسط الأمور قد يتمني لك الموت! كما أصبحت حضارتنا نفسها في المقابل تعاني نفس التضاد فتجد صوتها أعلي كثيراً من قامتها، وحركتها المضطربة تصدر ضجيجاً، لكنك لا تستطيع أن تحدد لها مساراً واضحاً تسابق الآخرين في المضمار الحضاري بظلها، بينما روحها وجسدها راقدان في أوله، راياتها تحلق عالياً في كل مكان لكنك ستعجز عن تفسير لما تبدو عالية مثل البالونات، لا تمسك بالأرض ولا تستقر في السماء. لذلك عليك كمصري أصيل أن تستمر علي وعيك بأنك إنسان ذو طابع حضاري خاص، ولا تنسي كذلك في الوقت نفسه أن تضبط جيناتك الحضارية وتنقيها قدر استطاعتك من حين لآخر، وإذا وجدت نفسك تفعل أفعالاً غير متناسقة، فاعلم أن جيناتك الحضارية مازالت تعاني من ترهل واضح!