مصر التزمت مع إسرائيل أن تصدر لها البترول الذي كانت تستولي عليه من سيناء بأسعار متدنية وتبيع الغاز لإسرائيل بدولار وربع وأسعاره عالمياً عشرة دولارات د . عصمت زين لو عاش دكتور عصمت زين الدين خارج مصر لنال أعلي الأوسمة التي يمكن أن ينالها عالم مصري في التاريخ. ولم لا وهو أستاذ الأساتذة الذي تخرج علي يديه جميع أساتذة الطاقة النووية الذين يتولون بناء المشروعات النووية العملاقة في دول العالم. ولم لا وقد أسس أول قسم للهندسة النووية في الشرق الأوسط بجامعة الإسكندرية عام 1963 «قبل أن تجري تصفية القسم». ولم لا وقد ساهم في إدخال هندسة الشبكات الموحدة في مصر ووضع دراسات مشروعات الطاقة في مصر ومنها مشروع منخفض القطارة وأنشأ الدراسات العليا في التخصصات النووية. ولم لا وقد كان رئيس أبحاث المواد بالمركز النووي البريطاني وعضو معهد الفيزياء في لندن ومستشاراً للطاقة النووية للرئيس جمال عبدالناصر. ولم لا وهو ليس نادماً علي بقائه في مصر رغم التنكيل به وسجنه ونفيه خارج مصر وحصاره وإهانته بدلاً من منحه أعلي الأوسمة. ولم لا وهو إسكندراني ولد علي أرض الإسكندية في حي الميناء الشرقي قبل نحو 85 عاماً ومازال يعيش بها. باعتبارك من أكبر المتخصصين في مجال الطاقة النووية في العالم.. ما طبيعة أزمة الطاقة التي تمر بها مصر حالياً؟ - د. عصمت زين الدين: مصر تعتمد في مصادر الطاقة لديها بشكل أساسي علي البترول والغاز الطبيعي ولم تنتبه إلي تحذيرات أساتذة الجامعة ذوي الاختصاص منذ عام 1965 إلي أن مصادر البترول والغاز في طريقها إلي النضوب واليوم وبإجماع ذوي الخبرة فإن مصر مقبلة علي كارثة في الطاقة خلال العشر سنوات المقبلة أي أنه بدءًا من عام 2015 وحتي 2020 فإن مصادر البترول والغاز في مصر ستكون كاملة النضوب. وهو ما سيجعل مصر مستوردة بالكامل لطاقتها بجميع أشكالها بتكلفة تتجاوز ال100 مليار جنيه عام 2015 قد ترتفع إلي 350 مليار جنيه بحلول عام 2020 مما يعني أن تكلفة الإنتاج والخدمات ستكون بالغة الارتفاع مما يشكل كارثة اقتصادية علي مصر. ما سبب هذه الأزمة في رأيك.. وهل لهذا علاقة بتأخيرنا في تنفيذ البرنامج النووي المصري؟ - كان أول تحذيراتنا بهذا الشأن عام 1966 وكانت صادرة عن قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية الذي قمت بتأسيسه في دراسة عن تشغيل محطة كهرباء السد العالي وبيان أن معدلات زيادة الاستهلاك تتجاوز إنتاج المصادر التقليدية للطاقة واقترحنا وقتها تنفيذ برنامج نووي مصري. وتكررت التحذيرات طوال السنوات اللاحقة. وانضم إلينا في التحذيرات خبراء هيئة الطاقة الذرية وذوو الاختصاص في البترول والغاز ولكن كانت هناك دائماً إرادة سياسية عليا تقف حائلاً دون تنفيذ البرنامج النووي في مصر. كيف تفسر تجاهل كل تلك التحذيرات طوال تلك السنوات وعلي مدي الحقب الرئاسية المختلفة؟ - كانت هناك دائماً قرارات سيادية شفوية غير معلنة بتجميد أي نشاط نووي في مصر ويقيناً بأن الدافع وراء ذلك أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل كانتا تعتبران الإقدام علي برنامج نووي في مصر بغير قيود وسيطرة عملاً عدائياً يناقض اتفاقية «كامب ديفيد». هل يمكن أن تحل محطة الطاقة النووية المزمع إنشاؤها أزمة الطاقة في مصر؟ - ما يجري الحديث عنه هو بناء مفاعلين في الضبعة قُدرة كل منهما ألف ميجاوات وبما أننا في عام 2005 كانت جميع محطات الطاقة في مصر قدرتها 22 ألفاً و500 ميجاوات وإذا كان معدل الزيادة 7% سنوياً فإن هذا يعني أن الاحتياجات تتضاعف كل عشر سنوات، أي أننا في عام 2015 سيزيد احتياجنا إلي الطاقة ليصل إلي 45 ألف ميجاوات وسيرتفع في 2030 إلي 60 ألف ميجاوات، في حين لا تستطيع مصر أن تبني أكثر من مفاعلين بقدرة إجمالية ألف ميجاوات لكل منهما كل عشر سنوات وهنا تتضح الفجوة الهائلة. كم محطة نووية تحتاجها مصر إذن لتتجنب كارثة في الطاقة؟ - احتياجاتنا من الطاقة خلال العشر سنوات المقبلة تصل إلي نحو 50 ألف ميجاوات أي أننا بحاجة إلي إنشاء نحو 20 محطة نووية جديدة وهذا قطعاً مستحيل. وكم يستغرق بناء المحطة النووية الواحدة؟ - أي محطة نووية تحتاج إلي نحو ثلاث سنوات لدراسة موقعها من أجل ضمان كفاءة أمن تشغيلها وتحتاج من سبع إلي عشر سنوات لتنفيذ بنائها. معني كده أننا بحاجة إلي نحو عشر سنوات لتنفيذ بناء محطة الطاقة النووية المصرية؟ - مؤكد.. أمال الكارثة جاية منين والمحطة التي مازال جارياً تحديد موقعها لن تنتج أكثر من ألف ميجاوات ونحن نحتاج إلي ما لا يقل عن 20 محطة مثلها لتجنب أزمة الطاقة في مصر. وماذا عن آبار البترول في مصر التي لم تكتشف بعد؟ - تأكد أن مصر قادمة علي مرحلة نضوب البترول والغاز وأن معدل اكتشاف آبار جديدة يقل كثيراً عاماً بعد عام بالإضافة إلي أنه ليست كل آبار البترول تشكل مصدراً اقتصادياً لضعف الإنتاج فيها. في ظل هذه الأزمة التي تتحدث عنها تقوم مصر بتصدير الغاز المصري إلي إسرائيل بثمن بخس. أو حتي بأسعاره العالمية وفق التصريحات الرسمية؟ - التزمت مصر من أجل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء أن تُصّدر لإسرائيل ما كانت تستولي عليه من بترول في سيناء وبأسعار متدنية ثم تبع ذلك أن التزمت مصر بتوريد حصة من الغاز بسعر دولار وربع دولار لكل مليون وحدة حرارية في الوقت الذي يتم التعامل بين روسيا وأوكرانيا في إستيراد الغاز بسعر 7 دولارات بينما تصل الأسعار العالمية إلي أكثر من 10 دولارات للمليون وحدة حرارية.. وقد رفضت إسرائيل تعديل هذا السعر التزاماً بالاتفاقية الجارية وهذا يعني أن مصر تدعم المواطن الإسرائيلي صباح كل يوم ب60 مليون جنيه مصري في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها ولا تستطيع مصر الفكاك من هذه الاتفاقية الظالمة بسبب الضغوط الأمريكية والصهيونية عليها. في تصورك.. ما أفضل الحلول لتجنيب مصر كارثة في الطاقة؟ - يكاد يكون متعذراً تماماً وقطعاً تجنب مصر العواقب الأليمة الاقتصادية والسياسية نتاج كارثة الطاقة المترقبة والتي بدأت مؤشراتها فعلاً ولكن قد يكون مفيداً في الوقت الحالي إنشاء مركز تابع لجامعة الدول العربية مع تكثيف الجهود في بحوث الطاقة الشمسية سواء ذات الإنتاج للمنازل والقري ووصولاً إلي محطات الطاقة الشمسية المركزية وهو ما نادينا به عام 1980 كما يجب إجراء تعديلات جوهرية في آلات الصناعة وأجهزة الخدمات ترشيداً للطاقة وهذا سوف يشكل عبئاً اقتصادياً إضافياً علي مصر. هل تشعر أنك حصلت من مصر علي التقدير الذي تستحقه؟ - ربما أكون قد حصلت علي التقدير من الجامعات والمثقفين أما الدولة فقد حاصرتني ومنعتني من العمل في مجالي ولم أجد سوي الحصار والتعسف والتنكيل والاضطهاد وتلفيق الاتهامات حتي وصل التطرف إلي اتهامي بالمشاركة في اغتيال يحيي المشد ولكن لم أفكر أبداً في الرحيل عن مصر لأنها تحتاج علماءها.