عكس نجاح جمعة الثورة أولاً يوم 8 يوليو رسالة ذات مغزى أولها استعادة الأمل مرة أخرى، استعادة الحلم المصرى أننا قادرون على الوحدة، قادرون على التحضر، قادرون على التنظيم، لسنا شعباً من البلطجية والغوغاء، بل شعب أكثر نضجاً من الحكومة وذوى السلطة ، بل هم غير القادرين على استيعاب أو تقبل تغير قواعد اللعبة بأن يتحول المصري إلى مواطن وبنى آدم من حقه أن ينطق ويرفض وينتقد، حتى وإن كان فقيراً أو أمياً أو مهمشاً. الرسالة الرئيسية التى وجهتها الجموع الشعبية الحاشدة لذوى السلطة وللنخبة السياسية الحاكمة وغير الحاكمة والمتكالبة على السلطة تتمثل فى أن المليونيات لا زالت ممكنة طالما استمر تمييع الثورة وتفريغها من مضمونها على أمل انتظار النخبة لحظة هدوء الجماهير لتمرير أوضاع لا تتماشى مع مطالبها أو توقعاتها، ولكن خيبت الجماهير ظن النخب إذ أثبتت أنها واعية وغير مغيبة كما يظن البعض، بل تميل للصبر مطبقة المثل الشعبى "المياه تكدب الغطاس". أعادت ميادين مصر شعور الشعب بقوته، الشعور الذى كان سائداً فى الفترة التالية لتنحى مبارك مباشرة، مرحلة نظيفة عندما كان يخشى المتحولون والسفهاء والسلطويون إرادة الشعب، والمفارقة أنه دون أحداث 28 يونيو العنيفة وما تضمنته من إظهار النظام الجديد لنواياه أو لعدم حسمه او لارتباك أدائه..أيا كانت المسميات..فجميعها تنطوى على عدم تلبية المطالب الأساسية الجماهير، ولولاها لما رأينا هذه الجموع الحاشدة التى شعرت بخطر على حرياتها وحقوقها التى كانت قد اكتسبتها وفرضتها على النظام السابق، إلا أن اختلاف رد فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة عما سبق حين كان عادة ما يحاول استيعاب الغضب الشعبى استباقياً له مغزى أيضاً، واكتفى النظام الحالى بإحالة نفس الشماعات القديمة من المسئولين عن موقعة الجمل إلى محكمة الجنايات وهو الاجراء غير الكافى، أم أنه يتركنا نتسلى فى الميدان؟ الفجوة أو فرق السرعات بين المجلس العسكري وتوقعات الشعب لا يمكن اختزالها فى الاختلاف حول خطوات اجرائية أو حلها باجراءات تجميلية من عينة تغيير وزير أوتنقلات فى الداخلية، الفجوة جوهرية ..وهى فجوة بشأن فلسفة بناء مصر فى المرحلة الانتقالية القادمة، كيف نبنى مصر؟ هل نهدم البناء الفاسد تماماً لنبنى من جديد على أساس صلب وليس على رمال متحركة تثير الاحتقان فى غضون سنوات قليلة، حتى إن احتجنا أن نعيد النظر فى مدى ضرورة ترميم العمود الأخير للبيت وفقاً اتعبير د. معتز بالله عبد الفتاح قاصداُ المؤسسة العسكرية؟ أم نسلك مسار الكروتة واللهوجة والضرب على الركب لنلحق بموعد موضوع سلفاً غير ملزم أساساً وأعلن فى إطار سياق غير السياق؟ يذكرنى ذلك بمن حدد موعداً مسبقاً للزفاف منذ زمن دون أن ينتهى من الجهاز أو يقوم بالاستعدادات الكافية ولكنه يصر على المضى قدماً فى الإجراءات متجاهلاً كافة العوائق والمشكلات ومشاعر المحيطين ؟ على سبيل المثال هل الهدف هو اجراء الانتخابات لأجل الانتخابات أياً كانت الأوضاع الأمنية او عدم ملائمة المناخ العام لانتخابات برلمانية فى خلال شهر بما يصاحبه بداهة دعاية حادة ومستقطبة حول عدد من المرشحين وعدم استقرار وما قد يتبعه من اشتباكات وتجاوزات بين أنصار المرشحين المختلفين؟ أم أن إلهاء الشعب بصراع القوى السياسية المختلفة البرلمان مقصود ويأتى فى صالح الحكام لأنه يقلل من التركيز الإعلامى على أدائهم؟ ومن مظاهر الفجوة المتنامية بعد الثورة: رامى فخرى.الذى قتل أثناء عودته لعمله ولا نعلم لماذا أو كيف. محمد شمس..الذى فقد عينه على يد أحد الضباط واحتجز دون اتهام ثم لفقت له قضية إتجار فى الهيروين. لؤى نجاتى الذى لم يفرج عنه إلا تحت ضغوط الناشطين وعلانية النقد ويعلم الله فقط كم غيره محتجز لا نعرف عنهم شيئاً، هذه القصص الانسانية تؤكد أن الكلام يسير فى اتجاه والفعل يسير فى اتجاه مغاير، وهو شئ اعتدناه ولكن غير المعتاد أن نراها تمر دون مسائلة بعد الثورة. لم ينته الصراع على الوعى المصري بعد، لأن الثورة لن تستكمل إلا بالتطهير الكامل لمنظومة الآليات السائدة الذى يعقبه بناء أسس جديدة للعلاقة بين السلطة والشعب على نظافة وعلى أرض صلبة، ولا زال المشوار طويلاً، حيث تجمع أدبيات التحول الديموقراطى أن نجاح المرحلة الانتقالية مرهون بالشفافية والروح الجماعية فى رسم قواعد إدارة المرحلة بين القوى السياسية المختلفة فى رسم خارطة المستقبل الديموقراطى،.لكن قواعد اللعبة لا زالت غامضة ولا يملك أحد رؤية واضحة عن الطريق، لماذا التخبط إذن ولماذا نجبر مصر على أن تسلك مساراً غير معلن؟ طالما لم تبرد نار الأم المصرية على أبنائها من الشهداء سوف تبقى جذوة الثورة مشتعلة منذرة بانفجار آخر ، وفى هذا السياق أتذكر مقولة البرادعى ليسرى فودة ليلة جمعة الثورة أولاً حين قال أن الثورة سوف تنجح..المسألة مسألة وقت، ويجب أن نكثف جهودنا حتى نرى مصر الجديدة التى نريدها.