عجبًا..! ولا شيء في مصر بات يثير العجب!! بقصد، أم بغير قصد، وجه الرئيس مبارك رسالته الأولي للأحزاب السياسية لمطالبتها بالاستعداد من الآن لخوض الانتخابات الرئاسية عبر مجلة اسمها «الشرطة» وتصدر عن وزارة الداخلية!! هل تعمد الرئيس أن تأتي هذه الرسالة - الأولي من نوعها - عبر هذه المطبوعة دون غيرها؟! ربما يكون اختيار الوسيط الإعلامي (مجلة الشرطة) هو بذاته رسالة مقصودة بذاتها! فخوض الانتخابات في مصر بات لا يتم إلا عبر بوابة الشرطة وتحديدًا جهازها الأخطر الذي يحكم مصر من خلف ستار- جهاز أمن الدولة (!!) المرشحون للانتخابات العامة في مصر هم واحد من اثنين، إما مرشح للأمن!! أو مرشح ضد الأمن!! الأول يفتح له النظام بجميع أدواته أبواب الجنة والأخير يفتحون عليه نار جهنم!! مرشح الأمن في كل انتخابات هو الذي تُفتح له أبواب الإعلام ويُغدق عليه من خزائن الدولة وتقف خلفه الأجهزة التنفيذية والمحلية ويعتبر نجاحه مهمة قومية وحزبية، أما المرشح ضد الأمن فهو محروم من كل ذلك. .. حتي سنوات قريبة كان الأمن يختار مرشحي الحزب الحاكم ويكون تقرير أمن الدولة هو المعيار الذي يختار أو يستبعد علي أساسه الحزب الحاكم مرشحيه، وفي السنوات الأخيرة تطور دور الأمن ليمتد من اختيار مرشحي الحزب الحاكم إلي اختيار منافسيهم أيضاً. .. ليس خافيًا علي أحد أن بعض مرشحي الانتخابات الرئاسية الماضية أعلنوا بغير حرج أو خجل أنهم أقدموا علي تلك الخطوة بتوجيه وتنسيق مع النظام وتحديداً أمن الدولة!! .. قد يكون هذا تفسيراً لاختيار الرئيس أن يخاطب بعض الأحزاب ومرشحي الانتخابات الرئاسية للاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة من الأمن عبر مجلة «الشرطة». قد يكون الرئيس مستهدفًا هذا الصنف من المرشحين والأحزاب،ذا قرر أن يخاطبهم عبر مجلة هم جمهورها المستهدف، خاصة أن رئيس تحرير تلك المجلة كاتب معارض كبير ورئيس تحرير جريدة يومية حزبية معارضة!! لما العجب، ولما الدهشة إذن؟! .. ربما يكون السبب الأكبر والأوقع للدهشة، ليس هو أن يطالب الرئيس الأحزاب بالاستعداد للانتخابات الرئاسية من الآن عبر مجلة «الشرطة»، لكن الأغرب والأعجب أن يطلب عبر مجلة «الشرطة» من الأحزاب أن تنبذ خلافاتها التي يعلم الرئيس أنها جميعًا صناعة أمنية خالصة. كان الأولي أن يطلب الرئيس من «الشرطة» أن تسحب أذرعتها الطويلة الممتدة داخل معظم الأحزاب والتي تصنع وتدير بها هذه الشقاقات والخلافات. قلت من قبل وأكرر: كل حزب في مصر له في أدراج أمن الدولة ملفان، الأول ملف الاستقرار، الذي يظل معمولاً به حتي يخرج الحزب عن النص، والآخر ملف الشقاقات والخلافات الذي يضم سيناريوهات معدة مسبقاً بمعرفة ضابط النشاط المسئول عن الحزب، ويتم تفعيله في ساعات إذا صدرت التعليمات بذلك!! الخلافات التي يطلب الرئيس من الأحزاب نبذها هي صناعة شرطية، وكان الأولي بالرئيس أن يطلب من الشرطة عبر مجلتها أن ترفع يدها عن الأحزاب السياسية.. فالشرطة هي الفاعل الأصلي والمحرض، بينما الأحزاب هي الضحية.. (وللحديث غداً بقية).