وكأن مصر تنقصها المشاكل حتى تظهر مشكلة جديدة تمثلت هذه المرة فى الرفض الشعبى للعديد من المحافظين الجدد ،وإن كان الرفض لمحافظ قنا هو الذى أصبح يشغل الصورة بعد ما فعله أبناء قنا من مظاهرات تطورت إلى قطع للطرق ووقف تسيير القطارات ثم التهديد بصور أخرى للتصعيد ،وهذه المشكلة التى تتضخم تعكس واقعا جديدا فى الشارع المصرى وأخطاء فى اتخاذ القرار من السلطات الحاكمة وهو ما أدى إلى الوصول إلى طريق مسدود لحل ينتصر لقيم الحداثة وهيبة الدولة التى لا تصطدم بإرادة مواطنيها والواقع الجديد أن المواطن المصرى قد كسر حاجز الخوف وأصبح أكثر جرأة فى التعبير عما يراه ،وبالتالى لم يعد يذعن لما يراه ضاراً من قرارات السلطة الحاكمة وهذا تطور ايجابى ولكن المشكلة أن هذا التغيير قد يستغله البعض فى شحن البسطاء ودفعهم للنزول إلى الشوارع لفرض رأى معين دون السماح للآراء المعارضة بالتعبير عن وجهة نظرها ،وقد يكون ذلك من آلام المخاط الديمقراطى ولكنه قد يكون مقدمة أيضا لاستبداد جديد والعبرة فى كيفية اكتساب أنصار للممارسة الديمقراطية بزيادة الوعى بين المواطنين الذين تم تهميشهم لسنوات ،وهذا الواقع الجديد هو الذى جعل المواطنين يرفضون العديد من المحافظين الجدد وإن اختلفت صور هذا الرفض والذى وصل إلى العصيان المدنى فى قنا ،ومن الواضح أن هذا الرفض الشعبى يرجع أساسا لسببين مترابطين هما طريقة الاختيار ونوعية الاختيار والحكومة هى المسئولة عن كليهما فلقد انفجرت هذه المشكلة للعديد من الأخطاء الحكومية ومنها : • انه نتيجة للمطالبات من العديد من النشطاء السياسيين بتغيير المحافظين أقدمت الحكومة على هذا التغيير وهى تتوقع أن التغيير لمجرد التغيير سيجعل المطالبين بذلك يسكتون ويشكرون الحكومة على أنها قد حققت احد مطالب الثورة • من الواضح أن وزراء هذه الوزارة ما زالوا يمارسون عملهم بعقلية النظام السابق من حيث عدم الاهتمام بالرأى الآخر وتوقعهم أن يتقبل المواطنين ما يفعلون باعتبارهم حكومة الثورة التى جاءت من ميدان التحرير ،لذلك كانت حركة المحافظين على نفس القواعد التى وضعها النظام السابق من حيث تقسيم المحافظات بين لواءات الجيش والشرطة ومستشارى القضاء ورؤساء الجامعات ،والأغرب هو استمرارهم على نفس خط النظام المخلوع بتعيين محافظ قبطى لنفس المحافظة وهى قنا وهو ما يوضح أنهم مجرد مقلدين وليست لهم أدنى قدرة على محاولة الخروج على النص الذى وضعه العهد البائد ،وهو ما جعل أهالى قنا يعتقدون أن محافظتهم قد أصبحت كوتة يشغلها محافظ مسيحى • ولقد كان الخطأ الذى جعل الأحداث تتصاعد هو أن الحكومة لم تهتم بمعالجة الرفض الشعبى للمحافظ عند ظهورها قبل إجراءات حلف اليمين فلقد تصورت أن هذه مجرد حركات ستنفض بمجرد الإصرار على التعيين وهو ما لم يحدث بل تصاعدت صور الاحتجاج ،وكان يمكن للحكومة تدارك الأمر قبل حلف اليمين بإجراء تغيير بسيط بنقل هذا المحافظ إلى محافظة أخرى وهو ما فعلت مثله عندما تراجعت عن تعيين محافظ الإسماعيلية السابق فى المحافظة التى أعلنت عن نقله إليها • ولقد أوضحت هذه المشكلة أن الحكومة لا تستجيب للمطالبات الهادئة بالاحتجاج ولا تعيرها اهتماما ولكنها تهتم فقط عندما تتصاعد الاحتجاجات وتتحول المطالبات الهادئة إلى مظاهرات واعتصامات ،فلقد تجاهلت الحكومة بدايات الرفض الشعبى واستمرت فى إجراءاتها وعندما لجأ المعترضون إلى وقف تسيير حركة القطارات تنبهت الحكومة إلى خطورة ما يحدث وأرسلت وفدا من وزيرى الداخلية والتنمية المحلية لم يستطيعا حتى إعادة تسيير حركة القطارات ،ولا شك أن قطع الطرق ووقف تسيير حركة القطارات مما يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادى من أكبر الخطايا ولكنها للأسف هى التى جعلت السلطات الحاكمة تستيقظ من أحلامها بأنها زوبعة فى أقاصى الصعيد سرعان ما تخمد ولم يسعفهم تفكيرهم إلى أن المناخ قد تغير ومع فشل الوفد الوزارى فى حل هذه المشكلة يصبح السؤال هل وصلنا إلى طريق مسدود ،فتصريح وزير التنمية المحلية للممثلين عن الاعتصامات من أهالى قنا أنه لن ُيفرض على أهالى قنا شيئاً يكرهونه ،يثير العديد من علامات الاستفهام حول تغيير المحافظ بآخر مسلم هل سينهى الأزمة أم نبدأ فصولا جديدة من أزمات متكررة على خلفية التصنيف الطائفى لشاغلى الوظائف العليا ،وعلى الجانب الآخر لا يمكن فرض محافظ على أهالى المحافظة وإلا فما معنى الديمقراطية وحق المواطنين فى اختيار من يحكمهم ،ومع الإعلان عن استقالة المحافظ وإصرار المعتصمين على عدم التراجع حتى يصدر بيان بتعيين محافظ مسلم مدنى وبتوقع حدوث ذلك فهل تكون الأزمة قد انتهت أم بدأت ورغم التركيز على ما يحدث فى قنا وذلك بسبب وقف تسيير القطارات ،فإن هناك اعتراضات متعددة على المحافظين لم تصل إلى ما وصل اليه الحال فى قنا ،ولكن مما يثير الحيرة أن حكومة عصام شرف تتعامل مع هذه الاحتجاجات بنفس منطق النظام المخلوع من التجاهل وهو ما يستدعى المطالبة بتغيير هذه الطريقة وان تكون هناك علانية فى الإعلان عن قواعد الاختيار ولماذا تم اختيار هؤلاء فمن حقنا أن نعرف من هؤلاء الذين نصبح لنقرأ أسمائهم وتصريحاتهم ولا نعرف من هم ومن أين جاءوا ولماذا ؟ والأمثلة عديدة على ذلك ففجأة ظهر ما يسمى بمستشار رئيس الوزراء ليخطب فى مواطنى قنا ويعدهم بحل المشكلة فمن هو وما هى صلاحياته كذلك مع الإعلان عن اسم محافظ المنوفية الجديد فلقد سألت العديد من المنوفيين عما يعرفونه عن هذا المحافظ فلم يعرف احد عنه شيئا ورغم كونى أحد أبناء المنوفية وأعمل أستاذا بجامعتها فلقد وجدت نفسى وكل أبنائها لا نعرف من أين هبط علينا هذا المحافظ ثم تواترت الأنباء انه كان يعمل فى النيابة العامة فى دولة قطر حتى عام 2010 ثم عاد ليعمل فى محكمة استئناف المنصورة ثم لسبب لا نعرفه تم تعيينه محافظا للمنوفية والسؤال إلى رئيس الوزراء هل هناك قواعد للاختيار أم إن الاختيار من المعارف والأصدقاء وبماذا تختلف عمن سبقوك ،ومع التقدير للسيد المستشار الذى هبط علينا محافظا فهل الذى قضى السنوات الأخيرة كلها يعمل بالخارج يمكن أن يقوم بالمعالجة السريعة لمشاكل محافظة تراكمت مشاكلها أم انه يحتاج وقتا لمجرد التعرف على المشاكل أو يعطى أذنه لمن حوله وقد يكونون هم جزء من المشاكل ،أهذا اختيار يصلح فى هذا التوقيت السيد رئيس الوزراء هل تسمعنا