سئمت من الممارسات اللاليبرالية ممن يعتقدون أنهم ليبراليون، وأخشى أن يؤدى لجوئهم إلى تخوين وشتيمة ولاموضوعية فى نقد أى من يخالفهم فى أساليب العمل فى المرحلة القادمة رغم أنه يشاركهم نفس الهدف النهائى بل ونفس المصلحة السياسية، إلى تفاقم الانقسامات بشكل يضر بإنجازات الثورة حتى الآن أويؤدى لانصراف الأغلبية عنهم رغم أنها فرصة سانحة للانخراط فى الحياة السياسية الحقيقية وعدم الاكتفاء بالمشاركة فى الواقع الافتراضى ليكونوا أكثر تأثيراً فى صناعة القرار على المدى الطويل. أقصد بكلامى الكثير من النشطاء والمدونين ممن تحدوا الحد الأقصى لحرية الرأى ويرجع لهم بعض الفضل فى زحزحة الخط الأحمر فى العهد السابق والذين تحولوا دون وعى منهم أو دون قصد إلى أنصاف آلهة يوزعون صكوك الوطنية على غيرهم، يمارسون السلطوية المستترة بتمركز حول الذات واستعلاء وغرور شديدين. لا تفهمونى خطأ، أرحب بأى اختلاف فى الرأى بل ومن حق كل طرف الدفاع عن موقفه بشراسة بحجج مقنعة حتى النهاية، لكن دون شخصنة الخلاف إطلاقاً وبمسئولية إزاء الصالح العام قبل الصالح الخاص، ولأننى هابرماسية الهوى (نسبة إلى المفكر الألمانى هابرماس الذى ينتمى إلى المدرسة النقدية) أرى أن غياب أى قواعد أخلاقية أو مهنية للحوار المجتمعى العام، بل غياب أى مرجعية تنظم كيفية خلافاتنا الآن- مع تراجع حس المسئولية الذاتية أو تقبل المراجعات أو فضيلة الاعتذار عن لفظ غير لائق لدى البعض- ينذر بغياب آليات تساعدنا فى الوصول إلى اتفاق وعدم تغيير أخلاقيات الخلاف السائدة، ليصبح الليبرالى فى مصر هو من يَمِن عليك بحقك أن تختلف معه فى الرأى وتصبح ديماجوجية الصوت العالى هى سيدة الموقف. ممكن ان نختار خوض معارك كلامية معتبرة ونشتم هذا ونكبس ذاك دون مردود واقعى، تنهك قوانا وتشتت جهودنا، وممكن أن نختار معارك سياسية حقيقية تغير من الواقع على نطاق واسع فى هذه المرحلة الحرجة، وأقصد تحديداً المعركة الانتخابية والتحضير للانتخابات القادمة بعد 5 شهور، ولأننى منحازة بشدة لثوار الميدان الأصليين أريد أن أراهم ممثلين تمثيلاً سياسياً عادلاً ومؤثراً فى المجالس النيايبة القادمة دون تهميش لأنها تحسم جزءاً مصيرياً من مستقبل مصر من حق النواة الأصلية للثوار الشجعان أن يساهموا فى تحديده، حتى لا نفاجأ بصدمة ال77% اللى قالوا نعم مرة أخرى، فالحياة السياسية لا تتغير من تويتر أو الفيس بوك، المعركة القادمة من أجل إعادة صياغة تشريعية وإعادة هيكلة مؤسسية ديموقراطية وإعادة تربية على قيم العدالة والانسانية، وهى معركة لا تقل فى نبلها ومثاليتها عن الروح الثورية الرومانسية التى تصاحبنا، لكن الواقع لا يعرف النهايات السعيدة على طريقة الكوشة والزفة، إنما يعرف مشوار العمل الطويل الدءوب، وإن توقع البعض أن المسيرة سوف تنتهى بمحاكمة مبارك أو حتى سجنه فى حال إدانته فهو واهم، لأن إرساء روح العدالة فى المجتمعات لا تتم بضغطة زر. قد يضايق كلامى البعض لكن للأسف هو الواقع، .ففى تاريخ الأمم أثبتت تجارب التحول الديموقراطى الناجحة أن القوى السياسية الأطول عمراً هم الأكثر قدرة على صياغة برامج عمل ملموسة والتواؤم مع المتغيرات والجماعات السياسية المختلفة والأكثر قدرة على حشد الناس أمام الصندوق الانتخابى إقتناعاً وليس فقط حشدهم فى الشوارع والميادين غضباً، .فتش عن كيفية إحداث تمثيل سياسى للثوار الحالمين فى الفترة القادمة ليحملوا مثاليتهم الأخلاقية داخل مؤسسات وآليات صناعة القرار ولا يتركوا الساحة خالية أمام المتلونين والمنافقين غير المؤمنين بقيم 25 يناير، انظروا لتجربة حزب الخضر فى ألمانيا الذى أصبح بعد 40 سنة من العمل العام من أهم خمسة أحزاب سياسة بعد أن تكون من حركات التمرد الطلابية والحركات اليسارية البديلة فى الستينات. وللمتشائمين والسوداويين أقول: الحلقة تضيق حول الكبار، توقعوا اضطرابات وشائعات كثيرة فى الأيام القليلة القادمة لأن النظام السابق سوف يستميت فى حماية قلب النظام حباً فى البقاء، نحن نسير فى اتجاه صحيح، قد نكون أكثر بطئاً والظروف غير مواتية لكن لا يأس مع الحياة، فقط فلنختر معاركنا فيما ينهض بمصر.