انفض السامر ... وانتهت احد ليالي الاعتصام بعد مناقشات عديدة من الاهلي فوق الجميع الي سعد زغلول والنحاس والبدوي ونهاية بحزب الله ونشأته وتطوره ، أطفأنا الأنوار وشرعنا في نوم عميق ... ربما حديث الوفد كان مسيطرا علي بشكل كبير جدا لدرجة أنني فجأة وجدت نفسي اجلس في البهو الرئيسي للحزب ، هذا المكان الذي فور دخولك إليه تشعر انك في مسلسل "قشتمر" وستخرج منه حتما ، كنت اجلس علي احد الكراسي الفخمة وعلي آخر وبالقرب مني وجدت الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيس حزب الوفد وبجواره رضا ادوارد عضو هيئته العليا كنت انظر اليهما نظرة ارتياب لا اعلم سببها ، وكان الدكتور يضحك ضحكته المعهودة بينما ينظر إلي رضا بنظرة تعجب ودهشة لا اعلم سببها ايضا ولكني كنت فخورا بها جدا ، ربما لأني توقعت انه مندهش من هؤلاء الشباب الذين يرفضون كل عروضه ويردون بحسم علي ترهيبه رغم أن لديهم من الظروف ما يدفعهم إلي قبول أي عرض ، اكتفينا بنظرات الدهشة والارتياب دون أن يوجه احدنا كلمة واحدة إلي الآخر وفجأة وجدنا شخص يدخل علينا تشعر أن له رهبة كبيرة ، يرتدي ملابسا كلاسيكية قديمة وطربوشه يعطيه مظهرا أنيقا للغاية ، انتفض الدكتور من مكانه وشد معه يد صديقه وقال له " دا النحاس باشا بنفسه يا رضا قوم بسرعة نقابله " هم الدكتور سيد البدوي إليه ومد يده مصافحا فأعطاها له الباشا ولكنه قام بسحبها سريعا قبل أن يقبلها الدكتور وعندما مد رضا يده لمصافحته نظر إليه الباشا نظرة غريبة لما افهم مغزاها ولكنه رفض أن يصافحه ، وفوجئت به يتجه نحوي ربما منعتني الدهشة من القيام من مكاني حتي وجدته أمامي مباشرة وعندما هممت للوقوف وضع يده علي رأسي بلمسة أبوية حانية وقال " خليك مكانك ... انت وأصحابك روحتوا عند ضريح سعد باشا وعند الحزب وكنتم عايزنا ممكن اعرف إيه الموضوع بالضبط" لم أجد ما أقوله له ولكني دون أن اشعر وجدتني انظر إلي الدكتور البدوي وزميله وانهمرت من عيني الدموع فكرر الباشا لمسته الحانيه فوق رأسي ونظر إلي البدوي قائلا " إيه الحكاية يا بدوي ... عملت إيه في الدستور وفي الصحفيين " فأسرع رضا ادوارد قائلا " يا معالي الباشا" فقاطعه الرجل بنفس النظرة وقال " انت اسمك بدوي ... اقعد مكانك انت مش عايز اسمع صوتك خالص " واستطرد الرجل موجها كلامه للدكتور البدوي " انت مكسوف تتكلم ولا إيه ... قولي إيه اللي حصل يا بدوي ... الدستور كانت بتوصلنا كل يوم وكنا مبسوطين منها ... دلوقتي بقت مسخ ومالهاش لون ولا طعم وسعد باشا بنفسه طلب مني اعرف إيه الموضوع " فرد الدكتور البدوي وكان وجهه في الأرض لا اعلم هل هو خجلا من مواجهة الباشا أم بحثا عن إجابة مقنعة يقولها له ثم جاءت كلماته متقطعة ومهزوزة قائلا " دا رضا يا باشا ... أنا قدمت استقالتي أول ما .... " فقاطعه الباشا قائلا " أنا مش إبراهيم عيسي يا سيد كل ما تعمل مصيبة تقوله دا رضا .... رضا مين ده اللي عايز تضحك عليا بيه قولي الحقيقة يا سيد ومتخبيش عليا حاجة " وازداد انفعال الباشا وهم واقفا " وبعدين قبل ما تتكلم انت راجل دكتور اعرف انك ليك في الأدوية والفياجرا والحاجات دي مالك انت ومال الصحافة ومال الدستور ". ازدادت الرهبة لدي الدكتور البدوي وقال له " يا دولة الباشا أنا كنت عايز اخدم الحزب وفي كلام مينفعش نقوله دلوقتي والصحفي ده قاعد " فرد عليه الباشا في حزم " لا قول يا سيد ... الصحافة من حقها تعرف كل حاجة .. انت نسيت مبادئ الوفد ولا إيه يا سيد ... إحنا ناضلنا وجاهدنا طول عمرنا عشان الديمقراطية والشفافية وحرية الصحافة وأنت جاي تفضحنا علي آخر الزمن ... مصلحة الحزب يا سيد في وجود صحافة معارضة وشريفة الناس بتثق فيها ... مصلحة الوفد يا سيد في عدم التحالف مع النظام ... مصلحة الوفد في الالتحام بالشعب وبالأمة اللي إحنا ضميرها " وهنا حاول رضا ادوارد التدخل " يا دولة البا.." فرد عليه الباشا مرة أخري " أنا قولتلك متتكلمش خالص ... مش عايز اسمع صوتك عشان الضغط عالي عندي ومش ناقص ... كفاية عليا تصريحاتك في الجرايد جابتلي السكر وقرحة المعدة " ثم وجه الباشا كلامه إلي البدوي " مين ده يا بدوي ... انت جبته منين ده ... هو ده عارف يعني إيه وفد أو ليبرالية أو حتي حرية صحافة ... الأمة تقول عليا إيه دلوقتي والراجل ده قيادي في الوفد زيه زى سراج الدين ومكرم عبيد ... يا بدوي الأحرار الدستوريين والسعديين وحتي الشيوعيين كلوا وشنا منك ومن عمايلك " وهنا حاول الدكتور السيد البدوي التدخل لعله يلطف الأجواء فنظر إلي الباشا وقال " هدي نفسك شوية يا باشا واللي انت عايزه هنعمله ورضا مش هيقدر يخالف أوامر رفعتك يا باشا " تجاهل النحاس باشا كل ما قاله البدوي ونظر ناحيتي مرة أخري وقال " يا ابني بلغ كل زملائك الشرفاء أننا نرسل لهم التحية علي موقفهم .. وان سعد باشا زغلول متضامن معهم وكل شرفاء الوفد معهم ... بلغهم يا ابني إن ضمير الأمة يرفض ما فعله البدوي وصديقه وانه غير راضي عنه ولا عن أفعاله وأننا نجهز لمؤتمر جماهيري كبير نعلن فيه القائمة السوداء لمن شوهوا صورة الوفد وسيكون هو علي رأسهم " واخذ الباشا يسير بخطي واثقة نحو الباب وهو يهتف بصوته العالي " منك لله يا بدوي ... منك لله يا بدوي".