كانت الساعة تدق فوق رأسي أن جاء الموعد فأخلد إلي مضجعك فغدا يوم عمل عصيب ولابد أن تكون في أفضل ظروفك البدنية والذهنية ، أشعلت سيجارتي وذهبت إلي البلكونة كعادة كل يوم ، لكن الليلة لم تكن كعادتها فنباح الكلاب في الجراج العشوائي الذي يواجه شقتي كان له نبرة مختلفة عن أي ليلة كنت أشتم رائحة دخان تملئ المكان ، جاري الذي يصمم كل ليلة علي إنارة بلكونته لا أعرف لماذا قرر فجاة ان يطفئ الأنوار فزاد ظلمه الليل عتمة ، ألقيت بالسجارة علي غير عادتي من البلكونة وراقبت تناثر شظاياها وهي تصدم بالأرض من الدور السادس ، الهاتف يرن ، ثم يرن ويرن ... من هذا المزعج وماذا يريد في هذا التوقيت من الليل لابد وأنه صاحب مشكلة ويريد نشرها في الدستور ، لابد وأن ارد عليه لعلها مشكلة كبيرة ولم يستطيع صاحبها النوم قبل أن اعده بأن حلها " أن شاء الله في نشرها وإنتظار رد المسئول عنها " أسرعت علي الهاتف فجاءني الصوت مرتبكا مخنوقا " أقالوا عيسي " ظننته شخصا يعد لي مقلبا " انت هتهزر هما يقدروا ؟ " أكد علي الخبر فتأكدت من كثير فكأن الخبر صحيحا طار النوم من عيني وهرعت إلي دولاب ملابسي لم اهتم بما ألبس فالمهم أن أنزل حالا إلي مقر الدستور فالأخبار القادمه من هناك لا تبشر بخير ، دخلت إلي المقر تلمست جدرانه قد تكون أخر لمسه ، تعمدت أن أدخل كل المكاتب وأجلس علي كل الكراسي حتي كرسي عيسي نفسه ، مشاعر كثيرة كانت تدور بداخلي وأشياء كانت تعد حتي تلك اللحظة مجرد أشياء عادية ستصبح بعد قليل ذكريات أحكيها مع أصدقائي وزملائي في الدستور عندما نجلس علي مقهي بعد أن تبعدنا الظروف أو تفرقنا الطرق ، كان رد فعل الزملاء مختلفا أظن أن التاريخ سيسجل يوما أن في زمن من الأزمنة أحتج صحفيون من أجل هامش حرية حصلوا عليه ويرفضون أن يتم الإنقضاض عليه ، صحفيون كان هتافهم " الحرية طريقها طويل " وغناؤهم " هي عيشه ولا موته ولا فوته في حارة سد " إصرارهم علي مطالبهم بأن " الدستور باقي باقي " كان يعطي الجميع الأمل في أن تنزاح الغمه وتنفرج الأزمة ، اجتماعهم حول قرار " اعتصامنا لأجل الحق " يزيد الكل عزيمه علي المواصلة حتي النهاية ، شباب الدستور وأنا واحد منهم ضربوا المثل لكل سبقوهم ولمن يأتون بعدهم علي أن مطلب الحرية لا يقل أهمية عن مطالب ظروف العمل العادلة والحقوق المادية ، جاءوا إلي نقابتهم ليأكدوا أن خنق القلم جريمة حملوا علي عاتقهم الدفاع عن حقهم في صحافة حرة ، ولدي إيمان بأنهم سينتصرون حقا سينتصرون .