نتلقي اليوم حصة في مدرسة زعيم الصبر المهاتما غاندي.. فاليوم نحتفل بذكري مولده ال 141 بمدينة الإسكندرية بندوة في ميدان الساعة بفيكتوريا. ففي الثاني من أكتوبر 1869، ولد الزعيم الهندي «غاندي» منذ 141 عامًا.. وعرف العالم زعيمًا لحركة اللاعنف. تعلم غاندي الكثير من ثورة 1919، وكان يعتبر سعد زغلول أستاذه في اللاعنف والثورة. كما تلقي في جنوب أفريقيا دروسًا في فنون مقاومة الشعوب، مما قاده بعد مشاركته في المقاومة بجنوب أفريقيا إلي أن يعود لبلاده، ويفكر في الإستراتيجية المناسبة لمواجهة الاحتلال البريطاني لبلاده الذي نجح في إزاحته بعد 13 عاماً من الثورة من 1930-1947، ثم قُتل غاندي. في 30 يناير 1948 بدأ غاندي حملته ضد احتلال بلاده عام 1930 بينما اشتهر وقتها بمظاهرات «الملح» في مواجهة قانون كان يفرض علي الهنود ضرائب باهظة مقابل الحصول علي الملح الذي كانت تحتكر إنتاجه وصناعته بريطانيا. أعد غاندي قائمة بالمطالب السياسية للشعب الهندي، بالإضافة إلي خطة واضحة ومحددة للتمرد اللاعنيف، الذي تضمن خطوات مدروسة لعصيان مدني شامل حال رفض المطالب أو التعنت في الاستجابة لها. خرج غاندي في مسيرة إلي البحر استمرت 26 يوماً، قطع فيها غاندي وأتباعه مسافة 380 كيلو مترًا وصولاً لشاطئ البحر، حيث بدأ يستخرج بنفسه الملح كسراً للقانون الذي كان يمنع ذلك، وبدأت التجمعات السكانية التي مر عليها غاندي تنضم لأنصاره وتحولت مسيرة الملح لشرارة فجرت الثورة العارمة اللاعنيفة الأشهر في العالم وفي القارة الهندية. ولأن اللاعنف لا يعني ألا تدفع الشعوب الثمن غالياً لحريتها وقبلها القادة، فقد اعتقلت السلطات غاندي، واعُتقل معه 100 ألف هندي، منهم 17 ألف امرأة، وكاد اليأس يسيطر بعد إحكام السلطات علي كل شيء ومنع الاجتماعات العامة ومصادرة كل الحقوق والحريات. إلا أن حركة العصيان المدني لم تتوقف فقد قاطع الهنود المؤسسات الحكومية وقام بعض أعضاء البرلمان بالاستقالة وكذلك أعضاء الجمعيات التشريعية للأقاليم. وبعض كبار الموظفين وانتشرت الإضرابات العامة في كل مكان بالقارة الهندية مما حمل الاحتلال علي أن يعلن عن هدفه ويبدأ جولة مفاوضات مباشرة بين غاندي ونائب ملكة بريطانيا!! إذا أردنا أن نتعلم درساً في العصيان المدني، فقد شبّه غاندي هذه العملية بارتقاء درجات السلم، فمع كل درجة هناك درجة أخري لابد من الصعود إليها وصولاً للهدف والنتيجة التي لم ولن تتحقق بالصعود درجة واحدة أو بالقفز علي الدرجات!! المهاتما غاندي كان مؤمناً بأن أكبر الداعمين للأنظمة الجائرة والذين يمثلون أخطر وأكبر المعوقات أمام حركة الشعوب من أجل الحرية هم أولئك الذين يعترضون علي الأنظمة الحاكمة.. ثم فجأة هم يذعنون لها ويقدمون لها دعماً لشرعيتها. كان غاندي يقول: ينبغي ألا ننشغل بتوجيه خطابنا إلي الحاكم أو النظام الفاسد ونغفل في سبيل ذلك اختيار الخطاب المناسب للجماهير الذي يربط بين مستقبلهم ونجاح العصيان المدني، وقدرته علي إحداث التغيير الذي تحتاجه الشعوب. حكمة رائعة لزعيم الصبر والحكمة غاندي، عندما قال: «لو أن الرجل يشعر بأنه ليس من الرجولة أن يطيع القوانين الجائرة، فلن يستطيع وقتها أي طاغية أن يستعبد هذا الرجل»!! إذن علينا أن نفهم أن إطاعة قانون الطوارئ، ليست من الرجولة، والتسليم بنص دستوري جائر ليس من الرجولة، والقبول بقوانين انتخابية من صناعة إبليس ليس من الرجولة.. والانتظار لشرعية لجنة أحزاب الخصم فيها هو الحكم ليس من العقل.. كما ليس من الصبر أن نستكين ونستسلم، فهناك ما يمكن أن نسميه الصبر الإيجابي. إذا أردنا صبرًا إيجابيًا فلنجرد هذا النظام من ملابسه قطعة قطعة ونكشف عوراته، ونشير إليها، ونسخر من نظام ليس فيه من الرجولة ولا الشرف غير القليل.. ولا يمكن الصبر عليه أكثر مما صبرنا. علينا أن نقدم بدائل حقيقية تبدأ بانتخابات موازية للمسخرة المنهجية التي ستشهدها مصر في الأسابيع القادمة، وعلينا أن نفكر في إعلان حكومة بديلة لحكومات الفشل والفساد والاستبداد التي تدير أمورنا بطرق ليس فيها من الرجولة أو الشرف شيء!! حقًا صدق الله العظيم في قوله: «وبشر الصابرين»..