يوسف القعيد : أصبحنا لانتنفس إلا الدين ولا يحكمنا إلا المسجد أو الكنيسة و ما بينهما فراغ مطلق! أجمع عدد من أساتذة وخبراء الإعلام في المجتمعين الغربي والإسلامي أن الدور التعبوي الذي تلعبه وسائل الإعلام في التعامل مع الأزمات والفتن التي تندلع بين الشرق والغرب هو دورسلبي بل وأحيانا يصل لحد التحريض علي العنف والقتل، وأجمع المشاركون في الحلقة النقاشية التي نظمتها مؤسسة فريدريش ناومان بالتعاون مع مؤسسة الدويتشية فيلا بعنوان" مثير للخلافات أم وسيط لحلها. . وسائل الإعلام وحوار الثقافات"، أن الأنظمة الحاكمة في المجتمعات العربية المستبدة والمؤسسات الإعلامية الخاصة في المجتمع الغربي هما وحدهما من يحددان مضمون الرسالة الإعلامية بالرغم من حالة التعددية التي تبدو واضحة. واتفق المشاركون في ورشة العمل التي أدارتها الباحثة الحقوقية أميرة عبدالفتاح المنسق الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان، وحضرها مثقفون وصحفيون ممثلون للمجتمعين الغربي والإسلامي، علي وجود ما يسمي بوسائل الإعلام العادية غير التقليدية التي قد تؤثر في المتلقي أكثر بكثير من تأثير وسائل الإعلام التقليدية، كما حذر المشاركون من تنامي التيار الديني المتشدد وإحكام سيطرته علي بعض وسائل الإعلام لدرجة جعلت المجتمع في الفترة الحالية لا يحكمه إلا المسجد أو الكنيسة وما بينهما فراغ مطلق. وأكد الكاتب الصحفي والروائي يوسف القعيد: أن الحوار بين الحضارة الغربية والعالم العربي والإسلامي لا أمل فيه علي الإطلاق في ظل حالة التبعية المطلقة وغياب مبدأ المساواة وانطلاق الحوار مع الغرب من أرضية المهزوم ووفقا لشروطهم ورغباتهم، وأضاف قائلا : لا يمكن أن أحيا علي المعونة الأمريكية ثم أعلن رفضي للرسالة الإعلامية القادمة منها بما تحملة انحياز وتمييز واضح، أما في حالة الاعتماد علي الذات فإنه يمكن بسهولة رفض الرسالة القادمة من الغرب إذا كانت لا تتوافق مع اتجاهاتنا وثقافتنا. وفيما يتعلق بمضمون الرسالة الإعلامية أكد القعيد أن المُلاك سواء كانوا حكومات أو جهات تعمل لصالح الحكومات هم من يحددون الرسالة الإعلامية ووضع أجندتها رغم ما تتشدق به الحكومات بأن الإعلام حر وأنها لا تتدخل في عمله، محذراً من تأثير الإعلام العادي المتمثل في خطب الجمعة وعظة الكنيسة وما تبثة الميكروباصات ونجوم الفضائيات الدينية التي تدعو للتشدد، أكثر تأثيرا في المتلقي من تأثير الإعلام التقليدي المتعارف علية. وقال القعيد إن المجتمع في الفترة الأخيرة لا يتنفس إلا الدين، ولا يحكمنا إلا المسجد أو الكنيسة وما بينهما فراغ مطلق، خاصة أن العالم يتنازعه المسيحية واليهودية والإسلام، مؤكدا أن الإعلام لعب دوراً كبيراً في العديد من القضايا والمسائل الدينية، معربا عن اندهاشه الشديد من الاهتمام والتهويل من واقعة حرق نسخ من المصحف الشريف علي يد القس الأمريكي المتطرف بالرغم أنه في عام 1998 حرق المصحف في أمريكا وفي عام 2004 استخدمت نسخ المصحف المترجمة لتنظيف دورات المياه ولم يحدث هذا الاهتمام أو رد الفعل الذي نراه الآن. وشدد الإعلامي حسين عبد الغني مدير مكتب قناة الجزيرة في القاهرة، علي أن الإعلام لعب دوراً سلبياً وأثر تأثيراً ساحقاً علي الرأي العام فيما يتعلق بتعامله مع الأزمات والحوار بين الغرب والعالم الإسلامي، مدللا علي حديثه بقيام شاب أمريكي بطعن سائق مسلم بالسكين علي خلفية حالة الشحن الإعلامي ضد المسلمين في أمريكا عقب الإعلان عن بناء مسجد قرب موقع برج التجارة العالمي، مشيرا إلي أن هذا النوع من الإعلام يصل لحد التحريض علي العنف وله دور سلبي بالغ الأهمية. وطالب عبد الغني المجتمع الغربي بضرورة عدم المبالغة في خطر الإرهاب والتوقف عما يسمي بفوبيا الإسلام وانتشاره في أوروبا خاصة أن عدد المسلمين هناك 52 مليوناً من إجمالي 765 مليون مواطن أي ما يوازي أقل من 7%، ودعا أيضا المجمتع الغربي إلي الاهتمام بالثقافة والتراث الإسلامي والعربي ومعرفة المزيد عنه دون أن يتم حصره في تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، مشيراً أن المجتمع الإسلامي يعرف الكثير عن ثقافة وحضارة المجتمع الغربي بينما هم لا يعلمون شيئا عنا فمثلا بالرغم من وجود العديد من الروايات العربية المهمة التي ترجمت للإنجليزية نجد أن أهم رواية عربية يعرفها الغرب عن المجتمع العربي هي رواية ألف ليلة وليلة. كما اتفقت الدكتورة هالة مصطفي رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية علي أن الإعلام لا يقوم بدعم الحوار بين الثقافات واستمرار الفجوة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي والعربي، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الحرية التي هي حرية مطلقة عند الغرب بينما هي ليست بالشكل نفسه عند العالم العربي. واتفقت رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية علي أن الحكومات هي من تضع الرسالة الإعلامية مؤكدة أن الإعلام ما زال موجه وتتحكم فيه الحكومات بدرجة كبيرة وبالرغم من أنه قد يبدو متعدداً في التوقيت الحالي فإن مضمون الرسالة الإعلامية لم يختلف كثيرا. وشرح د.رونالد ميناردوس المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان في بداية الحوار، دور المؤسسة ونشاطها في مصر مؤكدا أن المؤسسة تؤمن بأن الإعلام يلعب دورا مهماً في التطور السياسي والاجتماعي في مصر والعديد من الدول العربية، وهو ما دفعها للتركيز علي محور جديد هو الاهتمام بالمدونين والصحفيين الشعبيين وعمل برامج تدريبية وعقد لقاءات معهم.