تري هل جلست يوماً وحدك، وتركت العنان لأفكارك، وسألت نفسك هذا السؤال، الذي أسأله لنفسي يومياً : تري ماذا لو أن لدينا حقاً حرية ؟!.. ففي الواقع، ومنذ أن وعيت، لم أشهد حرية فعلية أبداً، فقط قرأت، وسمعت، وشاهدت مئات المسئولين، عبر نصف قرن يتحدثون عما ننعم به من حرية وديمقراطية وشفافية وسيادة قانون، ولكنني لم ألحظ هذا من حولي أبداً.... منذ قيام حركة يوليو، ورياسة مصر تحمل ختم ( مدي الحياة)، فباستثناء الرئيس محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية، عقب الحركة، والذي تم اعتقاله بعدها بعامين، وتحديد إقامته في فيللا في المرج، لم يغادر أحد الرؤساء التالين مقعد السلطة، وهو يسير علي قدميه.... ناصر مات لأسباب، مازالوا يتجادلون فيها حتي يومنا هذا، والسادات تم اغتياله وسط جيشه، في احتفالات نصره، ومبارك مازال يحكم مصر، من قبل زواجي بخمس سنوات، وحتي كاد ابني ينهي رسالة الماجستير في علوم الكمبيوتر الآن.... وفي كل العصور، لم نر ما يمكن تسميته بحرية حقيقية، فناصر تحدث كثيراً عن تعليمه لنا العزة والكرامة، ثم تم اعتقال الآلاف في عهده، وعذبوا، وفقدوا كل عزة وكرامة، وأممت الصحف، وصودرت الأموال، واستولي من لا يستحق علي من لا يملك، وساد فساد سلطوي، لم يكن له مثيل من قبل، ثم جاء السادات، وهدم المعتقلات، ومنع التسجيلات غير المشروعة، وأعاد حرية الصحافة، وكل هذا في البداية فحسب، ولأغراض لا علاقة لها بالحرية، وإنما كان يسعي في الواقع لهدم أسطورة عصر ناصر، حتي يبدأ عصر السادات، الذي حدث فيه الانفتاح، وبذر الفساد بذوره في الدولة، وانتهي بفتح كل المعتقلات ؛ لجمع كل المعارضين، وتحويل الصحافة إلي أبواق تتغني بالرئيس حتي تم اغتياله.... ثم جاء عصر مبارك، وبدأ، كما تبدأ كل العصور، بداية مبشرة، مع إقناعنا بأن قانون الطوارئ هذا مؤقت، حتي تستقر الأوضاع في البلاد فحسب، ولكن قانون الطوارئ طال، وطال، وطال، حتي وصم عصره كله، ويا ليت الأمر اقتصر علي وصم العصر فحسب، لكنه تطوًَّر إلي ما هو أبشع من هذا، إذ مع وجود قانون طوارئ، تنتهي تماماً كلمة حرية.... وللحديث بقية.