بمناسبة الاحتفال بمرور 50 عاماً علي بداية إنشاء السد العالي كانت الفرصة مهيأة لكي تعيد إذاعة الأغاني عدداً من الأغنيات التي واكبت هذا الحدث العظيم، اكتشفت أن بعضها أسمعه لأول مرة.. المؤكد أنني استمعت إليها من قبل في احتفالات مماثلة ثم نسيتها واستوقفتني أغنية لكوكب الشرق «أم كلثوم» لحنها «رياض السنباطي» وكتبها الشاعر الكبير «عبد الوهاب محمد» تقول كلماتها «حولنا مجري النيل يا سلام علي ده تحويل.. ح يكون تحويل لحياتنا مش بس نهر النيل.. يا سلام علي ده تحويل». تعجبت في الحقيقة ثلاث مرات، الأولي أن كاتب وشاعر بحجم «عبدالوهاب محمد» صاحب الروائع مثل «فكروني»، «حب إيه»، «أنا وأنت ظلمنا الحب» و«مصر هي أمي» وغيرها يكتب مثل هذه الكلمات التي لا ترقي حتي لمستوي زجال مبتدئ.. تعجبي الثاني أن يتورط موسيقار مثل «رياض السبناطي» في الانفعال ووضع موسيقي علي كلمات لا تحمل أي ظلال شاعرية ثم «أم كلثوم» التي كانت تدقق في اختيار الكلمات والألحان كيف رددت هذه الأغنية. «يا سلام علي ده تحويل» لا يتذكرها أحد سوي أرشيف الإذاعة المصرية ولا أتصور حتي إن أحد مؤرخي الموسيقي من الممكن أن يذكر منها مقطعًا واحدًا.. بينما قصيدة أم كلثوم «السد» التي كتبها «عزيز أباظة» ولحنها «السنباطي» لا تزال شامخة وتقول في أحد مقاطعها «يفتح الرزق وهو سد فينساب جنوباً وشمالاً».. لا شك أننا لو فتحنا ملف أغانينا الوطنية في كل العهود سوف نكتشف أننا حتي في لحظات الزهو والصدق الوطني كنا نقدم أغنيات متواضعة لأن الصدق الفني ليس له علاقة بصدق الموقف ولكن بمدي انفعال الفنان.. كما أن البعض كان يعتقد ضرورة أن يواكب الحدث لتأكيد مبايعته للنظام وكأنه موظف يمضي علي كشف الحضور والانصراف.. أغانينا الوطنية بها الكثير من الزيف وعاشت فقط الأغنيات التي لها قدرة علي تحدي الزمن وهي لا تمثل سوي الاستثناء.. لو عقدنا مقارنة بين أغانينا الوطنية في الماضي والآن سوف نكتشف أنه حتي الكاذب منها كان بالقياس بما نسمعه الآن أكثر صدقاً.. لقد صارت لدينا احتفالات أكتوبر السنوية والتي نقدم من أجلها أوبريت ضخم الجثة عريض المنكبين نرصد له ميزانية بالملايين تحول إلي «سبوبة» للاسترزاق السنوي.. لقد أراد مرة أحد الشعراء أن يعبر عن أكتوبر بأسلوب مختلف فكتب «عايزين عبور تاني» اعتبرها وزير الإعلام الأسبق «صفوت الشريف» بمثابة إعلان للحرب ضد إسرائيل رغم أن المعني هو عبور اجتماعي واقتصادي وليس بالتأكيد عسكري فتم تغييرها إلي «عايشين عبور تاني» ومات الأوبريت كالعادة يوم أن وُلد!!