في الأسفار سبع فوائد وأحياناً أكثر، ورغم هذا أشك في أن السياحة العربية حول العالم تحقق لصاحبها هذه الفوائد. قمت بجولة في الجزر البريطانية زرت فيها مدن وقري وبلدات مقاطعات ويلز وإسكتلندا وإنجلترا، وطفت بأماكن في غاية الروعة والجمال والنقاء ورأيت كيف يتعامل البريطانيون مع تراثهم باحترام وتقدير لدرجة أن مجموعة أحجار لم أر لها قيمة تذكر اسمها «ستون هينج» أحاطوها بسور وجعلوا الاقتراب منها بتذكرة ثمنها 12 جنيهاً إسترلينيًا. وتجولت في مدينة «باث» الجميلة ذات المعمار الفيكتوري البديع والنهر الذي يشق المدينة وذهبت إلي بلدة «تشستر» في ويلز حيث الحوانيت الصغيرة والسوق البديعة والشوارع المخصصة للمشاة فقط، وصعدت إلي أعالي المروج الخضراء والجبال المزروعة وشاهدت المراعي في كل أنحاء بريطانيا ممتدة علي كل الطرق بأبقارها وخرافها التي تشكل جزءاً أساسياً من جغرافية المكان وتاريخه، وعرجت علي مدينة «ستراتفورد» مسقط رأس شكسبير شاعر إنجلترا العظيم ودخلت البيت الذي عاش به والذي تحول إلي متحف. وذهبت إلي مدينة «كوفنتري» التي قصفها الألمان بقسوة ودمروها تماماً وتم بناؤها من جديد عدا الكاتدرائية التي تركوها مهدمة كشاهد علي ما حدث. وشققت طريقي نحو إسكتلندا فمررت بمدينة «جلاسجو»، ثم توجهت نحو بحيرة «لوموند» التي تخلب الألباب وتمنيت أن أقضي بقية عمري في كوخ علي ضفاف هذه البحيرة التي يغلفها الضباب ويضفي عليها لوناً رمادياً ساحراً مع الأمطار الخفيفة التي لا تنقطع في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه الحرارة في بلادنا لحد الغليان!. أخذت مركباً توغل داخل البحيرة وفي نهايتها أخذت قطاراً بخارياً من قطارات القرن التاسع عشر وعدت به في رحلة بديعة وتوجهت إلي مدينة سانت جونز، حيث تم اختراع لعبة الجولف للمرة الأولي وحيث توجد الجامعة التي يتعلم بها أبناء الأسرة الملكية، وبعد ذلك توجهت إلي مدينة إدنبرة، حيث كانت المدينة الإسكتلندية مشتعلة بالاحتفال بمهرجان الرقص السنوي المسمي «إدنبرة تاتوو». ومن إدنبرة إلي أفيمور إلي داندي وبعدها إلي الطريق نحو إنجلترا والتوقف بمدينة يورك الصغيرة الجميلة التي هاجر أهلها بعد اكتشاف أمريكا إلي الأرض الجديدة وهناك أنشأوا مدينة مماثلة لمدينتهم وسموها نيويورك. في كل هذه الرحلة التي طفت بها بريطانيا كاملة وشاهدت سياحاً من كل مكان في العالم لم ألتق عربياً واحداً في أي من الأماكن التي ذهبت إليها، فالعرب لا يعرفون من المملكة المتحدة سوي انجلترا فقط، ولا يعرفون من إنجلترا غير لندن ولا يعرفون من مدينة لندن سوي شارع «إيدجوير» وإذا أرادوا أن يتمددوا قطعوا الشارع إلي هايد بارك.. هذه هي بريطانيا بالنسبة لهم.. شارع ايدجوير فقط الذي طوع نفسه لهم فامتلأ بالمقاهي ومحلات الشاورمة حيث ينام «ربعنا» حتي المغرب ثم يستيقظون ليملأوا أرصفة المقاهي، يجلسون عليها متربصين بأي فتاة عربية تمر من الشارع، وهذا لعمري أمر شديد الغرابة.. شباب يقطعون آلاف الأميال ليعاكسوا بنت بلدهم في لندن!. أما في مصر فالسياحة العربية لا تعرف الأقصر وأسوان والمنيا وإدفو وبني حسن وتل العمارنة، حيث الآثار الفرعونية العظيمة والنزهات النيلية الساحرة، كما لا تعرف الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ ودهب ونويبع، حيث البحر والشمس والجبال والاسترخاء والطبيعة ولا تعرف المتاحف الفرعوني والإسلامي والقبطي، كما لا تعرف مرسي مطروح وسيوة والواحات ولا حتي إسكندرية.. كل ما تعرفه السياحة العربية في مصر هي القاهرة، ثم يتم اختزال القاهرة في شارع جامعة الدول العربية حيث النوم طول النهار ثم طلعات القنص الليلية في الفنادق المجاورة أو في شارع الهرم وما حوله.. فيا لها من أجازات ويا لها من سياحة