لعله مما يذكر في هذا المقام ما أورده أستاذنا العالم الفرنسي الكبير موريس ديفرجيه بجامعة السوربون في عمله العلمي الفذ «Histoire didcees poiltiques» تاريخ الفكر السياسي بأن أحد الفقهاء في القرن التاسع عشر أورد في كتاب له «ماذا سيحدث في فرنسا لو مات الملك وهلك رئيس الوزراء وجميع وزرائه وسقطت أسقف مجلسي البرلمان الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ علي رءوس كل من فيها ثم يجيب لا شيء لأن الكل سيهتف «مات الملك يحيا الملك» ويتقدم الصفوف رئيس جديد لمجلس الوزراء وعشرات وعشرات أعضاء للوزارة ثم سيبادر الآلاف لترشيح أنفسهم لعضوية المجلسين، أما لو مات طبيب جراح قدير أو أحد فحول العلماء أو فنان كبير أو مهندس أو موسيقار ومطرب موهوب فإنه ولا شك سيترك فراغا لا يملأ.. صحيح أن صاحب المقال حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ثمنا لرأي سيظل خالدا إلي الأبد. ومن هنا فإن الناس في مصر ولئن تحدث البعض منهم عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العامين القائم والقادم إلا أن أولئك وهؤلاء هم قلة ضئيلة في الكم بيدهم الأمر لا يبارون في التوحش.. ثراء.. سلطة.. قوة وقدرة وهيبة واقتدارا أو سيطرة علي شراع السفينة.. يحكمون ويتحكمون تأثيرا واستئثارا بقيادتها لتلقي مراسيها علي موانئ مصالحهم الذاتية.. أما بقية الشعب أو قل الغالبية فحسبهم الحديث عن الكرة وعدد الأهداف التي سددناها أو عن المسلسلات التي تغطي لياليها ونهارها علي مسرح أيامهم بل لأن همومهم تنصب علي الحفر بأظافرهم في أرض جرداء لا نبات فيها ولا ماء عن قوت أسرهم والوصول أو ما يسد رمقهم والحصول علي ألزم ضرورات الحياة.. وأنه ليس من المصادفات إعلاء شأن عدد الأهداف أو فحوي المسلسل ومغزاه ومرماه لأن الأهم هو إغراق الناس في الأمور التافهة وصرف أنظارهم وشل تفكيرهم عما يدور علي الساحة أو التفكير في تداعيات ما نحن فيه.. من معاناة أو عذاب بحثا عن رغيف الخبز الذي عادت صفوفه إلي الانتظار شريطة ألا يشبع بل حتي لا يجوع أو إطفاء الأنوار والضياء توفيرا للكهرباء أو انحدار نقاء الماء هذا إن وجد أو قذارة الشوارع التي تعج بالمخلفات أو بمعني واضح وفاضح «الزبالة» أو الزحام الخانق في الشارع المصري. أما عن النخبة وعن شريحة المفكرين والمدركين لدقات أجراس الخطر وما يتهدد مصر من كوارث تخطو إليها وينذر به الواقع القبيح الذي نعيشه فإنهم يلوذون بالصمت بالانزواء.. لأنهم جميعهم قد ولي زمانهم. إن الخلاص من هذه التراكمات الكمية والكيفية لن تجد حلا بل لا تقلق مضاجع أو توقظ مواجع أصحاب المليارات وهم في كفتي الميزان مائة ملياردير وبضعة عشر ألفاً يحملون لقب مليونير وجميعهم قد اتخذوا التدابير وكل المحاذير بأن ما يملكون آمنة مطمئنة ترقد أكوامها في البنوك والمصارف الأجنبية ولو أزفت الآزفة فإن 81 طائرة جاهزة ومجهزة علي أرض مطارات مصر.. بل الذهبيات تشق عباب أعتي الأمواج في البحار، إن الأشد نكرا أن الكثيرين منهم هم وأولادهم استعدوا لشد الرحال إذا داهمهم خطر الانحدار والانهيار لأنهم يحملون جنسيات من دول وأنظمة سياسية وهم كثرة كاثرة، ومن شاء أن يتحقق ويصدق فليسأل عن أعداد مزدوجي الجنسية الأوروبية والأمريكية والكندية بل والعربية.. ولعله من المضحكات.. المبكيات أن البعض منهم يتربع علي عرش السلطة في مناصب عالية رفيعة من بينها عضوية الحكومة أو أعمدة الحكم والتحكم وزراء.. بل إن الصلف والكبرياء والغرور والاحتقار للأوضاع المتردية والفوضي السياسية ومقدمات الضياع تحول دون تسرب أدني خوف أو مخاوف لما يحظون به من حصانات وضمانات. والسؤال الذي يطرح نفسه ثم ما هو الحل؟ نقول لأولئك الذين لا يجدون ما يأكلون.. وإلي هؤلاء الذين لا يأكلون مما يملكون.. نقول للأولين ما قاله المرحوم الأديب/ توفيق الحكيم «إن الأمة العظيمة التي صنعت في فجر التاريخ معجزة أهرام الجيزة لن تموت إن الذين يزعمون أن مصر قد ماتت منذ أجيال لا يرون أمجادها في صحراء الجيزة، إنها لقادرة علي إنجاز معجزة أ خري».. بيد أنها تنظر وتنتظر مولد فارس يكون بمثابة قائد ورائد وزعيم لحزب الغلابة يضع أنامله علي جسدها يتحسس مواضع أوجاعها.. آلامها... آمالها ثم يقودها إلي سابق عهدها.. قدرها واقتدارها.. هامتهاووزنها وثقلها... فاعليتها في منطقة تشهد بحضارة خالدة. إنه قادر لو اصطفت حوله جموع الغلابة وأهل الضياع وإن كانوا في أحلك الليالي هم الأسود وهم الضياع ويكون نصب الأعين إعادة بعث مصر.... وحدة الصف والهدف وذلك بإعداد منظومة لعودة الروح.. يتصدرها وفي صدارتها «التطهير».. نعم... الطهارة من الفساد الذي بلغ ذروته وطال واستطال إلي الوزراء سواء من ذهب منهم ومن يزال ويزاول ويمتطي السلطة لا يعبأ بأي اتهام كيف لا وهو يلتف حوله أمثاله من المفسدين في الأرض إنه في الترتيب العالمي للفساد احتلت مصر رقم (5) علي الصعيد الدولي. وفي قياس ومقياس التميز العلمي للجامعات العالمية فإنها حصلت علي «صفر» حالة أن إسرائيل حظيت بسبع جامعات في السباق العلمي وذلك بسبب تدهور وانهيار النظم التعليمية في مصر إنها في الانتخابات التي أجريت لرئاسة اليونسكو كانت من الساقطين وفي اختيار مكان للمونديال العالمي نالت في جنيف أيضاً «صفر» ونالت جنوب أفريقيا قصب السبق ناهيك عن ما آل إليه موقعها وموضعها في العالم العربي.. صعد فيه الصغار وانحدر قدر الكبار ونحن من بينهما. إن الفارس إذا خلصت نياته وابتغي إنقاذ مصر من الانحدار والدمار أن يضع نصب عينيه أن يرفع راية حتمية إعادة هيكلة المجتمع.. فتح جميع ملفات الثروة من بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي.. ومأساة الخصخصة. كيف لا وهناك فئات تنهمر أعينهم بالدموع بسبب الجوع. إنهم يسمعون عن اللحم ولا يذوقون طعمها إلا في صورة العظام وأرجل الدواجن. إن الفارس الجديد لن يألوا جهدا في التطهير بلوغا لدحض ما شاب توزيع الأراضي وعمليات الخصخصة أو التخصيص إنه لابد من الكشف عن أسماء كثيرة حصلت علي مساحات من أراضي الدولة التي كانت مخصصة للزراعة ثم تحورت إلي فيللات وملاعب جولف ونواد وفنادق وحمامات سباحة ومطاعم وإعادة تقنينها واستعادة الكسب الحرام الذي حققوه... إن تقارير الجهاز المركزي حافلة بمساحات جاوزت المليون فدانا مخصصة للزراعة جري اقتطاعها وإقطاعها لذوي الحظوة.. إن الثابت من تقارير الجهاز المركزي يندي له الجبين عن الموافقات الصادرة من وزارة الإسكان بتخصيص أراض استثمارية لرجال الأعمال بأسعار تتراوح بين 70 و250 جنيهاً وأنها علي سبيل المثال مساحة 230 فدانا لشركة بالم هلز. إن وزارتي الزراعة والإسكان وما ينبثق عنهما من مؤسسات كافية وكافلة لأبشع أنماط الفساد الذي تؤثمه وتجرمه القوانين العقابية. إن الهجمة الشرسة من الجامعات الخاصة والأجنبية والتي لا سلطان لأحد عليها تهدر حق الشعب المصري والأجيال الناشئة من الإحاطة الكاملة والعناية والأولوية للغة العربية التي تندثر وعن التاريخ المصري الذي يجيء في ذيل برامج الدراسات وعن الالتفات كلية عن دراسة الدين الإسلامي الحنيف. إن ذلك كله يبعث الرعب في النفوس في شأن هذا الجيل من طلبة العلم لكارثة انحطاط المدارس والمدرسين والبرامج التعليمية. أيها الفارس إنك ستواجه الأحمال الثقال أو بالأحري الأكوام والتلال فأقدم لأن الأمل معقود عليك وخلفك الأغلبية من جموع الطبقة الوسطي.. إن الطبقة الوسطي هبطت إلي الحضيض حالة أنها كانت هي موئل ومولد ومنبع النجباء والعلماء والنبهاء الذين رفعوا مصر إلي عنان السماء. إن هذا لا يتأتي تحقيقه بخطي تقليدية بل بالخطو بخطي بناءة... شجاعة... ضربات موجعة أنه مما يذكر في هذا المقام الضربات التي وجهتها مصر إلي المؤسسات الأجنبية قبل سنة 1952 والسير في طريق تمصير الاقتصاد المصري الذي انقلب رأسا علي عقب. إن اتباع سياسة العولمة وانحسار دور الدولة والخضوع والخنوع لتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والنزول علي إرادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وخصخصة البنوك وشركات الحديد والصلب والنسيج والأسمنت والسياحة والفنادق أفرزت نتائج مؤسفة من شأنها أن تصبح الدولة وفقا لما تعتنقه مدارس اقتصادية «كلب حراسة» لصالح الرأسمالية.