في الثمانينيات كانت هناك منافسة بين مصطفي محرم ومحمود أبو زيد وكلاهما من كبار كتاب السيناريو في السينما المصرية علي تقديم أفلام ذات مستوي فني جيد وذات نجاح تجاري كبير في نفس الوقت خصوصا مع خوض محمود أبو زيد تجربة الإنتاج السينمائي في أكثر من فيلم، وفي العام الماضي عندما أعاد محرم تقديم فيلم «الباطنية» كمسلسل لا شك أن أبو زيد شعر بروح المنافسة القديمة تشتد من جديد ومن هنا نتصور قراره بإعادة تقديم إحدي روائعه السينمائية «العار» علي أن يقوم بكتابة السيناريو ابنه «أحمد» وهو منذ سنوات يحاول أن يسلك درب أبيه في الكتابة لكن الحظ لم يحالفه إلا هذا الموسم، ولأبو زيد الأب ثلاثة أفلام شهيرة هي التي صنعت مجده السينمائي «العار والكيف وجري الوحوش» ولكن من «جري الوحوش» و«الكيف» لا تنطبق عليهما فكرة القماشة التي تصلح لكي تتحول إلي مسلسل من ثلاثين حلقة، بينما «العار» يحتوي علي عنصرين مهمين هما العائلة المكونة من ثلاثة أخوة رجال وفتاة وأمهم الحاجة والوالد تاجر العطارة بالإضافة إلي المخدرات وهي العنصر الذي توافر في مسلسل الباطنية العام الماضي..واستغلالا لاسم العار كتب صناع العمل عنواناً فرعياً هو قصة لن تنتهي، وكأنه تبرير لإعادة إنتاج الفيلم الكلاسيكي ولكن في حقيقة الأمر ومع المتابعة التحليلية نكتشف أن المسلسل لا علاقة له بالعار لا الفيلم ولا العنوان ولا المورال الدرامي بل إن أبو زيد الابن لو كان سمي هذا المسلسل الحرام مثلا- مع الاعتذار ليوسف إدريس- لكان أكثر اتساقا مع طبيعة المعالجة المقدمة بل لم يكن أحد لينتبه أن هناك تشابها بين الفيلم والمسلسل وهو التناقض الذي وقع فيه أحمد، فمحاولته لأن ينفي الشبه بين المسلسل والفيلم جعلته يعيد صياغة الدراما من أساسها بعيدا عن الفيلم تماما وفي الوقت نفسه أصر علي أن يستغل نجاح اسم الفيلم وارتباطه بوجدان الناس وهو ما أضره علي مستوي تقييم تجربته الدرامية الأولي.. فتيمة المال الحرام الذي لا يسمن ولا يغني والذي يذهب في النهاية هباء كعقاب إلهي هي تيمة ميلودرامية شهيرة تناسب المزاج المصري والعربي خصوصا مع الصبغة الدينية التي تلونه، وقد اعتمد المسلسل علي فكرة أن المال الحرام الذي دخل للعائلة أصابها بحالة تسمم وأبدل المخدرات بدواء الكحة المحرم قانونا علي اعتبار أنه نوع حديث من المخدرات، ثم اختار نماذج متناقضة لتأكيد فكرته ففي مقابل الأخوين سعد ومختار اللذين أكلا الحرام هناك الأم والابنة اللتان رفضتا إنفاق أي جنيه منه وهناك النموذج الوسط المتمثل في الضابط أخيهم الأوسط الذي اشترك معهم وهو مكره، ثم هناك نماذج الزوجة الطماعة المسرفة التي سلطها الله علي بدن سعد لتحلبه والعقم الذي أصاب زوجة مختار لكي لا يورث المال الحرام وهي خلطة شعبية جيدة تناسب شريحة واسعة من الجمهور لكن يظل الإسراف في مشاهد تعاطي الحشيش والخمر والرقص والكباريهات يذكرنا بالتوابل التجارية التي كان يحرص صناع سينما الثمانينيات علي وضعها في أفلامهم وهو ما رأيناه العام الماضي أيضا في «الباطنية» وبغض النظر عن الحكم الأخلاقي وفكرة الشهر الكريم تظل مثل هذه المشاهد عبئا علي الإيقاع الدرامي ومجرد محاولة لملء الوقت بعيدا عن كونها موظفة دراميا أو تمثل مساحة الريليف«التخفيف من حدة الصراع» الأزمة ضمن أحداث العمل.