أعلن الحزب الوطني التعبئة العامة، وحشد جيوشاً من قياداته للتمهيد لكارثة التوريث، ولتبرير جرائم الفساد التي تتفجر فضائحها كل يوم وتكشف عن تورط قيادات نافذة بهذا الحزب في هذه الجرائم. ووضع الحزب خطته علي أساس استخدام هذه القيادات في الساحة التي تتناسب مع قدرات ومؤهلات كل فريق من هذه القيادات. أولاً: الفريق الذي يجيد استخدام أحط عبارات السباب والذي لا يتورع عن اللجوء إلي أقدز الأساليب، هذا الفريق يتكفل بتشويه معارضي نظام الحكم بأكثر العبارات فجوراً ووقاحة، ويوفر لهم الحزب عدداً من الصحف الحكومية والقنوات التليفزيونية الرسمية والخاصة.. وهدف فريق الشتامين هو مخاطبة الفئات الاجتماعية الدنيا التي تتعامل بهذه الأساليب فيما بينها، ويطمئن الحزب إلي أن المعارضة لن تنافسها في هذه الساحة التي يسيطر عليها تماماً «شتامو الحزب الوطني». ثانياً: فريق المثقفين وبينهم أساتذة الجامعة والشخصيات التي كانت لها منزلة مرموقة في العديد من المجالات الثقافية المختلفة، أخذت هذه المجموعة علي عاتقها مهمة مخاطبة المثقفين عامة والشباب خاصة، ويرتكز خطاب هذه الفئة علي عدة محاور منها: 1 - الاعتراف بوجود فساد، وتبرير ذلك بأن الفساد ظاهرة عالمية، وأن الفساد موجود في جميع البلاد، وأن الحكومة والحزب لا يتستران علي فساد، بل يؤكدون أن الأجهزة الحكومية المختصة هي التي تكشف هذا الفساد. ورغم التسليم، من حيث المبدأ، بصحة هذا المنطق فإن جميع قضايا الفساد الكبري خاصة التي تورطت فيها شخصيات نافذة انتهت دائماً بإعداد الأوراق الرسمية والقرارات التي تمنح جرائم الفساد الكبري شرعية صورية اضطرت معها المحاكم إلي تبرئة رءوس الفساد. وكانت النتيجة أن رءوس الفساد تم تحصين جرائمهم بأحكام قضائية!! 2 - الضرب علي وتر «حرية التغيير» غير المسبوقة والتي سمح بها نظام الحكم، وفي ظلها تتعرض الحكومة وحزبها للنقد العنيف من المعارضة، ومع التسليم أيضاً بأن «حرية الصراخ» المتاحة الآن لم يسبق أن تمتع بها الشعب، إلا أن حرية الصراخ هذه لا تعني مطلقاً أن في مصر «حرية تعبير» حقيقية بالمفهوم العلمي والعملي الذي تعرفه الشعوب في البلاد الديمقراطية. فحرية التعبير ليست هدفاً لكنها «وسيلة» للكشف عن الأخطاء وتكفل النظم الديمقراطية «حرية الحصول علي المعلومات» حتي يتمكن الصحفيون والمعنيون بمحاربة الفساد من الحصول علي المعلومات، ثم تكفل القوانين «حرية نشر» هذه المعلومات، ثم تحتم القوانين والتقاليد المرعية تولي سلطات تحقيق محايدة ومستقلة للتحقيق فيما ينشر ويذاع من أخبار الفساد والانحراف، وأخيراً تضمن المؤسسات القانونية إصدار الأحكام العادلة والرادعة في جرائم الفساد، بهذا تتحقق «أهداف» حرية التعبير، ولا معني لحرية نشر وإذاعة أخبار الأخطاء والفساد إلا إذا تحققت هذه الشروط، وبهذا المعيار فإن ما يسمونه «حرية التعبير» أو حرية الإعلام مغالطة كبري لأن هذه الحرية مقتصرة فقط علي حرية النشر دون أن تتحقق العناصر التي تمكن «حرية النشر» من تحقيق أهدافها. المسألة إذن ليست أكثر من حرية الصراخ التي يسوقها نظام الحكم لدي المؤسسات العالمية باعتبارها «حرية التعبير»! 3- تبقي نغمة أخري تشترك هذه المجموعة في ترديدها وهي القول بأنهم- أي هؤلاء المثقفين- يقرون بالأخطاء التي لا يمكن الدفاع عنها لكنهم يحاولون «إصلاح الحزب من الداخل»! وقد سمعت أحدث العبارات التي تتحدث عن هذا الإصلاح المزعوم من الداخل من الدكتور مصطفي الفقي والدكتور علي الدين هلال، وكلاهما ذكر هذا التبرير في حوار تليفزيوني الأسبوع الماضي وبلغ الأمر بالدكتور هلال أن ذكر أنه يقف في مطبخ اتخاذ القرار بالحزب الوطني بالقرب من الباب أي «رجل جوه ورجل بره» حسب تعبيره، ليوحي للمشاهد بأنه يفكر في الخروج من الباب إذا لم يستطع أن ينفذ ما يريده من إصلاحات من الداخل! ورغم ثقتي الكاملة بأن الدكتور هلال لا يمكن بأي حال أن يفكر في الخروج من مطبخ الحزب، فإنني أسأله: كم من السنين تنتظر لتتأكد أن الإصلاح من الداخل مستحيل؟! لقد أمضيت أنت وجميع القيادات التي تردد نفس التبرير وهي تدافع عن استمرار وجودها في الحزب الوطني، السنوات الطوال.. وخلال هذه السنوات لم تتم خطوة واحدة يمكن اعتبارها «إصلاحاً حقيقياً» بل علي العكس تبني الحزب خطوات وممارسات تزيد من ترسيخ حكم الفرد وتسد الطرق تماماً أمام أي تحرك جاد في اتجاه تحقيق ديمقراطية حقيقية، وكانت قيادات الحزب التي تتبني السياسات التي أهدرت ثروات مصر والتي تسببت في تراجع مكانة مصر الإقليمية والدولية وساهمت في تدهور شامل في أحوال مصر، تمكنت قيادات الحزب من كل ذلك ولسنوات، فكم من السنوات يحتاجها من يتبني منطق الإصلاح من الداخل حتي يتمكن من تحقيق خطوة واحدة علي طريق هذا الإصلاح المزعوم؟! ما يعنيني من هذا التحرك المحموم لقيادات الحزب الوطني هو موقف بعض المثقفين الذين يحاولون تبرير بقائهم في هذا الحزب بالحجج التي أشرت إليها، وكلها مغالطات أكد الواقع أنها مجرد مبررات يحاول بها هؤلاء استبقاء الصورة الذهنية المحترمة التي صنعوها قبل انضمامهم لحزب الحكومة بعلمهم وثقافتهم ومواقفهم التي يرونها تذبل نتيجة بقائهم في مواقعهم التي يتحملون فيها وزر كل الكوارث التي سببها الحزب الوطني.. فهل يفيق هؤلاء من وهم ما يسمونه «الإصلاح من الداخل» لإنقاذ تاريخهم؟!