.. في ذلك الصباح الصيفي الساخن، وأنا أتوجه لمدينة السويس للمشاركة في مؤتمر جماهيري للجمعية الوطنية أسأل نفسي بشفاه مقلوبة: ماذا سنصنع فيما تبقي لنا من هدوء؟! لأين نحن سائرون؟! لأي رحيل؟! لأي وصول؟! هل نمضي نحو شروق أم هو الغروب؟! إلي متي سيظل التيار يسبح عكس مجري النيل؟! هل يسقط التيار؟! أم يستسلم النيل؟! يا أيها الصبر الطويل: ألم يحين بعد أوان الغضب الجميل؟!! .. يسألني البعض لماذا بات الناس أكثر استسلاماً لاحتمال توريث الحكم من الأب لابنه؟! أتذكر بدهشة، ذلك الحوار الافتراضي، عندما صور مشاعر سجناء في كهف، لا يرون في العالم غير ظلال مصنوعة، وبعد سنوات من الظلم والظلام لم تعد أعينهم تري غير هذه الأوهام ويتصورون أنها الكائنات الوحيدة علي وجه الأرض!! عندما يسترد السجناء بعض حرياتهم، يستردون معها بعض قدرتهم علي الإبصار!! .. بعض ما يتردد في الإعلام الحكومي، ونصف الحكومي «شبه المستقل» عن مسألة التوريث، كسطل الماء الوسخ، الذي ينسكب من أعلي فيتوهمه البعض مطراً، رغم وضوح رائحته!! .. هل يمكن أن تنجح الحملة ضد التوريث في الإسهام بجهد حقيقي في مواجهة الحملة الحكومية لتمرير التوريث؟! رغم التفاوت في قوة الأسلحة التي يستخدمها كل طرف؟!! .. إجابتي: إن المعركة بين السكاكين ورقاب العصافير قد تبدو معركة غير متكافئة الأسلحة لكن نظرة واحدة إلي السماء، وإلي ملايين العصافير التي تخترقها، تؤكد أن العصافير تنتصر دائماً علي سكاكين الصيادين، رغم خلو أياديها من الأسلحة، غير حبها للحياة.. والحرية؟! التوريث، وأسلحته غير المرخصة لن تمنعنا من مواجهة الجريمة ومصادرة الأسلحة من يد ميليشيات التوريث!! .. لا يمكن اعتبار الإعلان عن تلك الحملة الهزلية لدعم جمال رئيساً في حياة والده وما يجري علي المسرح السياسي المصري، منذ تنامي فكرة التوريث عام 2000، حدثاً طارئاً، ولا أظن أنه يدخل في باب المصادفات، فمحاولات القتل الجماعي لكل القوي الحزبية والسياسية الحية، ليست إلا هجمة مدروسة، ومخططاً لها، لإفراغ الساحة أمام بديل وحيد هو الأسوأ علي الإطلاق فما يعتبرونه سنداً للتوريث هو السند والدليل علي إدانة هذا المشروع، بتهمة القتل العمد للحياة الحزبية والسياسية المصرية!! .. التقيت منذ أيام بأحد الرموز المهمة في الحياة السياسية وهو واحد من أبرز النخب، والغريب أنك تجلس معه فيقول لك إنه لا يوافق علي التوريث، ويستنكر مظاهره، ويهاجم خطواته من الداخل!! وعندما تراه يتحدث للتليفزيون أو للصحف تري شخصاً آخر!! لا يعرف غير كلمة «آمين»!! لا يهاجم إلا المعارضة ذكي هو، لكن للأسف ذكاء الضعيف!! نصف مثقف لكنه نموذج لخيانة المثقفين!! أرسلت له مرة دعوة لحضور الاجتماع التأسيسي للحملة المصرية ضد قلوبنا معك وسيوفنا عليك!! الغريب أن هذا الرجل يقول إنه لا يهاجم جمال مبارك لأنه ليس في موقع المسئولية إلي الآن لكنه يهاجمني دائماً دون مناسبة وفي كل مناسبة وكأنني رئيس للوزراء !! .. أحياناً أشفق علي بعض الذين لا يشغلهم غير الهجوم علي شخص - بمبرر ودون مبرر - وأخشي أن يقتلهم الفراغ بعد موتي!!