مشاهد القتل والسكاكين والمسدسات والسيوف وحرق الناس أحياء، وجز رءوسهم وطرطشة الدماء في مسلسلات رمضان تجاوزت مجرد الصدفة والضرورة الدرامية إلي التعمد وسبق الإصرار.. هناك حالة من تكريس هذه المشاهد والسعي لإتقانها وإغراق الشاشة بها.. هذا بالإضافة إلي وجود وفرة من مشاهد المشاجرات والضرب بداع وبدون داع، وأيما وجهت الريموت كونترول نحو قناة من القنوات ستجد البروموهات الدعائية التي تروج للمسلسلات المليئة بمشاهد العنف والدماء. قد يكون ذلك محاولة لتقليد العنف الذي انتشر في السينما في السنوات السابقة من خلال عدد من الأفلام لعبت علي تيمة العنف وأسرفت في تصويره وتجسيده منها أفلام مثل «إبراهيم الأبيض» و«السفاح»، وربما يكون السبب أن الدراما التليفزيونية تسعي لجذب المشاهد بتأكيد احتوائها علي أحداث مثيرة ودامية، ولكن تلك المشاهد - وهذه هي المشكلة الرئيسية - لا تعبر غالباً عن موضوع المسلسل، أو هي هامشية وليست بهذه الأهمية لإبرازها بهذا الشكل الملح، فكيف يمكن أن يكون برومو مسلسل اجتماعي عن شاب ابن بلد مكافح مثل مسلسل «أغلي من حياتي» عبارة عن لقطات للبطل المكافح «محمد فؤاد»، وهو يقوم بضرب الآخرين بالرأس. أما المسلسل التاريخي «كليوباترا»، فقد ترك البرومو الشخصية الرئيسية نفسها وهي كليوباترا الملكة والإنسانة، وركز علي لقطات عنيفة من معارك بالسيوف تتطاير فيها الرءوس وتتناثر الدماء هنا وهناك. مسلسل آخر هو «قضية صفية»، كان البرومو الرئيسي له هو مشهد قيام «مي عز الدين» بقتل «طارق لطفي» بالسكين، هذا جزء بالفعل من المسلسل، ولكن عرض المشهد بهذا التكرار والإلحاح يسطح دراما العمل نفسه، ويحوله إلي شيء مزعج مع الوقت. وفي برومو مسلسل «اختفاء سعيد مهران»، وفي التترات نري مشاهد لهشام سليم ممسكاً بسكين، أما عن الضرب والمشاجرات العنيفة فهي تتكرر في بروموهات مسلسلات «مملكة الجبل» و«بره الدنيا» و«موعد مع الوحوش»، وهناك بعض البروموهات الاستثنائية التي كانت أكثر احترافاً وفنية في تعبيرها عن الأعمال الدرامية التي تروج لها حتي لو كانت تلك الأعمال بوليسية أو تحتوي علي مشاهد عنيفة ضمن أحداثها مثل بروموهات مسلسلات «أهل كايرو» و«الجماعة» و«الحارة»، فقد كان واضحاً أن من قاموا بتنفيذها استوعبوا روح العمل نفسه، وقدموا بروموهات معبرة ابتعدت كثيراً عن تلك اللقطات العشوائية التي تحاول جذب المشاهد بالدماء والمشاجرات، ففي برومو «أهل كايرو» نشاهد استعراضا لمكان الأحداث من خلال لقطات تصور القاهرة، تليها لقطات استعداد لحفل زفاف ضخم في فندق ثم جريمة قتل وبداية إجراءات التحقيق، كما يلقي برومو «الجماعة» الضوء علي أسلوب سرد حكاية جماعة الإخوان المسلمين من خلال مزج بين مشاهد التاريخ القديم والحديث، بينما يبرز برومو «الحارة» حالة المكان الذي تدور فيه الأحداث وهو الحارة الشعبية. ولأن صانع البروموهات لا يأتي بالمادة الدرامية من عنده، فإن هناك بالفعل حالة ميل للتعبير عن الشر بصورة مباشرة وسطحية في المسلسلات، وقد لا يكون القتل والشجار جديداً في العمل الدرامي، ولكن هناك ميلاً واضحاً لدي المخرجين وصناع الدراما لإتقان العنف والاستغراق في عرضه علي الشاشة، ومن البروموهات العنيفة للحلقات نفسها، سوف نجد أن بعض المشاهد داخل الحلقات شديدة الدموية والقسوة، مثال ذلك مشهد حرق «عزت العلايلي» لزوج ابنته حياً في مسلسل «موعد مع الوحوش»، وهو من المشاهد الوحشية والعنيفة خاصة أنها نفذت بدوبلير يتعرض للحرق فعلاً، واستغرق المشهد علي الشاشة وقتاً طويلاً للغاية، وهي أشياء لا تحدث حتي في الأعمال العالمية العنيفة، إلا في دراما الرعب، ونفس المشهد تقريباً يتكرر في مسلسل آخر هو مسلسل «اختفاء سعيد مهران» في مشهد حرق والد البطل في الحلقة الأولي، وفي الحلقة الثالثة من مسلسل «شيخ العرب همام» فوجئ المشاهدون بلقطات لقطع رؤوس بعض الأشخاص بصورة متوحشة ومفزعة وبدون أي تنبيه سابق في بداية الحلقة يحذر المشاهد من مثل تلك المشاهد المفاجئة، والتي لا تجيز الأعراف الرقابية العالمية للعرض التليفزيوني عرضها دون تنبيه يوضع في بداية الحلقات حتي لا يشاهدها الأطفال أو ضعاف القلوب، ولكن العزاء الوحيد أن درجة إتقان تنفيذها متواضعة بحيث يمكن لأي طفل ملاحظة أنها خدعة غير حقيقية. حاولت مسلسلات أخري تقديم وجه لطيف مغايراً لحالة العنف والدماء، ولكنها استخدمت الرقص الشرقي هذه المرة، فقد احتوت بروموهات مسلسلات مثل «العار» و«زهرة وأزواجها الخمسة» وأجزاء كبيرة من تتراتها لقطات لراقصات من حفل زفاف ضمن أحداث المسلسلات، ولكن تميز برومو «العار» بأنه وضع لقطات تؤكد أن كل ممثلة تقريباً في المسلسل قامت بالرقص بصورة أو بأخري.