برنامج الرئيس الانتخابي هو وثيقة عمل للحكومة، وهو معيار يجب أن نختار علي أساسه نواب الحزب الحاكم في مجلس الشعب قبل أن نختار الرئيس نفسه، وبالتالي فإن التساؤل عن مدي تنفيذ هذا البرنامج لا يعد من قبيل «قلة الأدب»، لكنه سؤال سياسي محترم يتعين ألا يردعنا البعض عن توجيهه والمجاهرة به ما دمنا نؤمن بالديمقراطية وآلياتها بما فيها الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. مسئول كبير في وزارة التجارة والصناعة أصدر مؤخرا تصريحا بالغ الطرافة والغرابة..ولا أبالغ إذا قلت إنه تصريح يدمي القلب بعد أن تحدث عن تسجيل الطعمية والكشري باعتبارهما مأكولات مصرية تمتلك مصر حقوق الملكية الفكرية الخاصة بهما. وأعلن الدكتور هاني بركات -رئيس هيئة التوحيد القياسي في مصر أنه تم الاتفاق بين الهيئة ومنظمة «الأيزو» علي أن تأخذ مصر مبادرة لوضع مواصفات قياسية دولية للأغذية الشعبية التقليدية المصرية وتسجيلها عالميًا حتي يمكن تصدير هذه الأغذية إلي الأسواق الدولية بمواصفات معتمدة. وقال بركات إن هذه الخطوة تأخرت كثيرا لدرجة أن بعض الدول قامت بإنتاج مأكولات مصرية دون الرجوع إلينا وقامت بتسويقها عالميًا رغم أن حقوق الملكية الفكرية لها تعود إلينا مثل الجبنة الدمياطي التي تصدرها الدنمارك لكثير من دول العالم، مؤكدا أن تسجيل هذه المأكولات عالميًا سيمنع أي دولة من أن تنسبها لنفسها. وأشار رئيس هيئة التوحيد القياسي إلي أن برنامج التسجيل سيبدأ بالعسل الأسود وهو غذاء مصري خالص، وكذلك الحلاوة الطحينية والمش الصعيدي والكشري والجبن القريش والطعمية المصنوعة من الفول والفطير المشلتت وغيرها. وأوضح المسئول أن هذه الأطعمة لها محبون ومريدون في الدول العربية وحتي في الدول الأوروبية ويمكن بسهولة تسويقها رسميًا طالما تم تصنيعها وفقا لمواصفات قياسية مصرية معترف بها عالميًا. وأعترف بأن هذه الخطوة مهمة لكنها- باعتراف المسئول نفسه- جاءت متأخرة جدا. وهي دليل مأساوي علي تدهور أحوال الصناعة في مصر..والسؤال هنا: ما علاقة الكشري والطعمية ببرنامج الرئيس الانتخابي؟!! العلاقة واضحة، فالرئيس تعهد في برنامجه الانتخابي ببناء 1000 مصنع كبير خلال العهدة الانتخابية «6 سنوات»، ومن المفترض أن هذه المصانع الكبيرة ستتولي تقديم منتجات مصرية مهمة للأسواق المحلية والإقليمية والدولية، والحديث بعد خمس سنوات عن تسجيل الكشري والطعمية بالمواصفات القياسية يعني أن هناك تقصيرا كبيرا من جانب الحكومة في تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك. وبعيدا عن « الفيلم الهندي» الذي تعيشه الأوساط السياسية هذه الأيام بخصوص المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، أتصور أن التساؤل الجاد والمهم يجب أن يوجه إلي الرئيس مبارك نفسه. وسواء قرر الرئيس خوض الانتخابات مجددا أم لا، يتعين أن يكون السؤال عن تعهدات الرئيس في برنامجه الانتخابي: هل تم تنفيذها أم لا؟! وهل كانت حكومة الحزب الحاكم علي مستوي المسئولية وقامت بتنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي بدقة ونزاهة وشفافية خصوصا أن ميعاد الحساب اقترب ..وفي كل دول العالم المحترمة الناخبون يحاسبون حكوماتهم علي التزاماتها وتعهداتها من خلال صندوق الانتخابات!! ويتعين قبل ذلك أن يحاسب الرئيس المقصرين حسابا عسيرا. لابد أن تتم محاسبة المسئولين عن التقصير والإهمال في مجال الصناعة ابتداء بالمسئولين عن الجهات التابعة للوزارة وحتي الوزير نفسه المهندس رشيد محمد رشيد الذي لا أخفي إعجابي بأدائه السياسي الرفيع. لا شك في أن الوزراء والمسئولين « النايمين في العسل» سوف يهرولون للرئيس يحملون قائمة طويلة عريضة تتضمن أسماء المصانع الجديدة التي أنشئت خلال العهدة الرئاسية ولكن الأهم من تقديم هذه القائمة، توضيح إسهامات تلك المصانع في الإنتاج الوطني في مجال الصناعة. التشغيل وتقليل نسب البطالة بين الشباب ليسا الهدف الوحيد من إنشاء المصانع الجديدة، المصانع يجب أن تمثل إضافة للإنتاج الوطني وإلا تصبح قليلة الأهمية ولا يعتد بها كثيرا لدي مراجعة تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي. نريد من الرئيس المقبل-أيا كان- أن يتعهد بتقديم أول سيارة مصنعة محليا بمكونات مصرية، ونحن قادرون علي ذلك، لأن لدينا سوقا تستوعب مليون سيارة سنويا، والحجة القديمة التي استخدمت لتصفية هذه الصناعة الوطنية في مصر هي أن السوق المصرية محدودة وأن تلك الصناعة تتطلب سوقا لا تقل عن ربع مليون سيارة في السنة. لقد تجاوزنا محدودية السوق منذ عدة سنوات، لكن مسئولي الصناعة لم يتخذوا القرار المؤجل منذ عقود وبالتالي يحق للرئيس اتهامهم بالتقصير في مسئوليات عملهم وفي تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي تعهد به أمام شعبه وناخبيه. نريد من الرئيس المقبل أن يتعهد بزيادة نسبة مساهمة الصناعة في الناتج القومي الإجمالي. نريد رئيسا يرعي أفكارا جديدة في مجال« توطين الصناعات»، واستخدام المزايا النسبية لبلدنا وموارده في تصنيع منتجات تحقق لمصر المكانة التي تليق بها بين الأمم. نريد وطنا قادرا علي تصنيع الجزء الأكبر من احتياجاته، ولا نقول كل احتياجاته الصناعية حتي لا نتهم بالمثالية والبعد عن الواقع. وقبل كل ذلك، نريد رئيسا قادرا علي محاسبة وزرائه المهملين والمقصرين في حق بلدهم وأنفسهم قبل أن يقصروا في تنفيذ تعهداته الانتخابية أمام شعبه.