أوقات كثيرة تكون الكتابة عبئاً ثقيلاً - لا لقلة أو ندرة القضايا التي تستحق أن يكتب عنها أو لقلة الظلم الذي يستوجب فضحه ولا لقلة المظلومين والمقهورين الذين يتمنون أن تعرض مظالمهم أمام الجموع رغم العلم مسبقاً بأننا نعيش في منظومة محكمة للظلم والعشوائية والفساد. أوقات كثيرة أعجز فيها عن الكتابة لشعوري بأن المسألة أشبه بالنحت في الصخر. وقد انتابتني هذه الحالة من عدم الرغبة في الكتابة عن أي من الأحداث الجارية والكوارث المتتالية المتخمة بها صفحات الجرائد وشاشات التليفزيونات، وقد نصحتني صديقتي بأن أتابع الجرائد وبعض المواقع الإلكترونية وأقرأ مثلاً عن كارثة غرق الفتيات الصغيرات في النيل وأشاهد برامج التوك شو اليومية لشحن أفكاري وقالت لي: اشحني نفسك ونامي ولما تصحي هتلاقي نفسك بتكتبي عن شيء مختلف تماماً .. وبالمصادفة قالت لي صديقة أخري لا علاقة لها بالإعلام أو الصحافة علي الإطلاق وربما لم تقرأ الجرائد منذ شهور طويلة، لكنها سمعت عن قصة غرق الفتيات فقالت لي: «هتكتبي الأسبوع ده عن البنات إللي غرقوا في النيل»؟!! الحقيقة أنني شعرت بالوجع عندما قرأت هذه الكارثة، وهذا النوع من الكوارث هو الذي يشعرني بالعجز عن الكتابة، ربما لأنني علي يقين بأنه لا يوجد ما يليق من كلمات لتوصيف بشاعة الحدث أو حتي تحليل الواقعة أو التعبير عن حالة الفساد والجهل والطمع والغباء المتسببة في هذه الفجيعة .. وما أكثر الحوادث والكوارث في بلادنا والتي تشترك أغلبها إن لم يكن جميعها في الاستهتار بأرواح البشر المصريين الذين يتم التعامل معهم علي أنهم «كمالة عدد» لا قيمة لهم . وفي هذه الأحيان من الهروب السلبي أكتفي بأن ألعب دور القارئ وأتابع ما يكتب عن الواقعة في الجرائد - دون التورط في وجع الكتابة عنه . ولن أخفيك قولاً أنني انتهزت الفرصة وتماديت في لعب دور القارئ وأخذت أقرأ بعض التعليقات والرسائل التي وصلتني من بعض القراء ووجدت أن هناك متعة ما أن تكتب للقارئ وأن يرسل لك قارئ رسالة ما تعليقاً علي موضوع أو مقال كتبته - فهذا أمر له معناه المميز والخاص - علي الأقل بالنسبة لي ،ربما لأنني قد أكون محدثة كتابة أو ربما لأنني أصدق فكرة قد تكون وهمية وهي أن الناس قد فقدت الرغبة في القراءة ولم يعد الأمر يفرق كثيراً بين أن تكتب أو لا تكتب لهم أو عنهم، فعندما أتلقي رسالة علي بريدي الخاص أو علي الموقع أشعر بمدي سوداويتي وتشاؤمي، لأن العكس صحيح فهناك شخص ما بذل مجهوداً في القراءة وكان لديه من الطاقة الإيجابية ما يكفي لكي يكتب رسالة طويلة كانت أم قصيرة ويرسلها إلي، فهو بلا شك أمر يستحق الاهتمام والاحترام معاً . لاحظت في الفترة الأخيرة أن هناك تشابهاً ما في «ستايل» الرسائل أو التعليقات، بمعني أن تأتيني رسالة طويلة من شاب مثلاً يحكي عن ظروفه وإحباطاته وعن رأيه في المجتمع وفي الحكومة وفي فساد النظام وفي عبثية العيشة وإللي عايشينها وتكون الرسالة متخمة بالسخرية من أحوال المجتمع والإيمان الشديد بأنه «مفيش فايدة»، والحقيقة أنني أتوقف أمام كتابات رائعة وبليغة واسترسال في السرد والحكي أحسد قرائي عليه ..ولكن وجه التشابه الذي أحدثكم عنه هو «خاتمة الرسالة» التي غالباً ما تنتهي بأن يكتب القارئ في السطر الأخير تقريباً: - شكراً علي قراءة الرسالة ولا أنتظر منك الرد ..فقط أردت المشاركة . جاءتني عدة رسائل بهذا المعني علي أسابيع متفرقة لدرجة أنني تصورت أنه نفس الشخص الذي يرسل آراءه وتأملاته وتحليلاته عن أوضاع البلد، لكنني فوجئت بأن المرسل يختلف من مرة إلي أخري . أتذكر جملة كتبتها لي قارئة وهي سيدة فاضلة تعمل في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة قالت فيها: أنا هاجيب لك م الآخر، «تكتبوا ما تكتبوا وإحنا نصرخ علي أد ما نصرخ ...ولا حاجة هتتغير، إحنا كأننا بننحت في صخر ...مولع جمر...!!! ألم أقل لكم إن الأمر لا يختلف كثيراً إذا كنت ستكتب أو تقرأ؟.. كلاهما «نحت في الصخر».