منذ عام كامل وأنا أتجنب الكتابة عن الحلقات «الفنية» التي يقدمها برنامج «العاشرة مساءً » وتحديدا منذ الحلقة التي استضافت فيها مني الشاذلي صناع فيلم «إبراهيم الأبيض».. ولكن بعد مشاهدتي حلقة الأسبوع الماضي مع صناع فيلم «الكبار» شعرت أن المسألة تحتاج بالفعل إلي تنفيسة أطلق من خلالها شكوي مكبوتة في صدري منذ الموسم الماضي.في حقيقة الأمر ليس للشكوي علاقة فقط بالعاشرة، لكن بالأسلوب الذي تتبعه البرامج الحوارية «الكبيرة» في التعامل مع الأفلام السينمائية خاصة خلال مواسم الصيف والأعياد وأتصور أن البعض كتب منذ فترة عن الدعاية المجانية التي يقوم بها صناع الأفلام لأعمالهم من خلال استضافتهم في مثل هذه البرامج وهو أمر صحيح تماما وإن كانت مسألة المجانية أو الأجر المدفوع مسألة شكلية، فالمنظومة الإعلانية التي تسيطر علي كبري القنوات وحتي علي قنوات التليفزيون الحكومي تجعل فكرة استضافة «نجوم» فيلم معين والإعلان عن هذه الاستضافة قبلها بيوم أو بأسبوع أو حتي بشهر فكرة تجارية شديدة الأهمية خاصة أن المنفعة تصبح متبادلة، فالبرنامج يضمن نسبة إعلان جيدة نتيجة تصوره أن نسبة المشاهدة سوف ترتفع لوجود هؤلاء الكواكب الزاهرة علي مقاعده طوال ساعة أو ساعتين وصناع الأفلام يضمنون دعاية «مجانية» لفيلمهم طوال هذه المدة بل احتفاء وتكريم و«تظبيط» من مقدمي البرامج علي اعتبار أن المصلحة «رايح جاي» وعيب «تحرجني» وأنا «في بيتك» وهنا يصبح وجود عنصر ثالث سواء مسألة مزعجة مرهقة أو غير مجدية اقتصاديا وهو عنصر «النقاد» سواء علي مستوي الاستضافة الشخصية(وجود مباشر) أو الاستشهاد بمقالاتهم (وجود غير مباشر) ومن هنا تتحول الحلقة في غياب هذا العنصر شديد الأهمية والمرتبط بشكل عضوي وجيني بالعملية السينمائية إلي مجرد «شو» متفق عليه مسبقا..كل الأسئلة معروفة وكل الإجابات معدة سلفا! وفي الماضي كنت دائما أتعجب من فكرة انتقاد مصطلح أن هذا الناقد يرتدي نظارة سوداء وكان البعض يقصد منها أنه يري الأشياء غامقة وسوداوية، بينما كنت أراه تعبيراً شديد الذكاء، حيث إن الناقد الذي يضع نظارة سوداء لن يري هذا الإشعاع «الإعلاني» الذي يطلقه «النجم» لكنه سوف يري فقط حجمه الحقيقي كفنان فلا تنبهر عيناه ولا يعميها تألقه! المشكلة أيضا أن مقدمي البرامج يسمحون أو يشاركون من باب إكرام الضيف واجب في الهجوم علي أو انتقاد مواقف النقاد وآرائهم وكتاباتهم دون أن يكون هناك من «يرد غيبتهم» بالبلدي ثم من قال إن الجمهور يستفيد من استضافة صناع فيلم يتحدثون فيه عن هول ما لاقوه أو فصاحة ما عبروا عنه أو عبقرية ما قدموه دون أن يكون هناك طرف آخر قادر علي التحليل والتقييم والإشادة بالجيد والتنكيل والحط من شأن الفاسد والفاشل والتافه ومن قال إن النقاد لا يصنعون دعاية «مجانية» للتجارب الناضجة بكتاباتهم وآرائهم في الصحف والبرامج ؟وقديما بلورها أستاذنا سامي السلاموني قائلا: (إن جزءاً من مهمة الناقد هو الدعاية للأفلام الجيدة) وقال جزءاً من مهمته ولم يقل لو تفضل أو راودته الفكرة، بل تحدث بصيغة الجزم وكأن مهمة الناقد لا تكتمل بغير هذه الدعاية لأنها دعاية موضوعية قائمة علي تفكيك العمل والوقوف علي عناصره الأولية والتغزل في مفاتنه والإشادة بثغراته وهفواته وهي دعاية في صالح المتفرج الذي يهم الناقد أن يشاهد عملاً جيداً تم وضعه في ميزان بكفتين! ولكن للأسف ما تقوم به برامجنا «الكبيرة» حالياً مع صناع الأفلام من «النجوم» هو الكيل علي ميزان بكفة واحدة وبدون سنجة أو أرقام.