مفتتح.. تقول لها، وهل كان سيدك يكتب كل ليلة؟ تجيب في حيرة.. كلا كان ينقطع لفترة حتي يظن أنه هلك ثم يجلس ليكتب، يكتب الحكايات كما هي دون إضافة أو إبداع أو خيال.. مجردة، في محاولة للتغلب علي ما أصابه من عطب. في غرفة 24 بقسم الأشعة تقع وحدة الدوبلر ، وهو الكشف علي الأوردة والشرايين الخاصة بعضو معين ومعرفة مدي تدفق الدم فيها من عدمه - يدخل رجل يحمل ملامح مصرية في حوالي الأربعين من عمره ، متوسط الطول متين البنيان، ويرتدي ملابس نظيفة ومكوية رغم فقرها الواضح، يستقر علي طاولة الكشف متأهبا لخلع البنطلون، ويعطيني الورقة فأقرأ إشارة نائب الاستقبال: «Doppler testicles » وبخط الممرضة البدائي علي ظهر الورقة: فحص بالدوبلر علي دوالي الخصيتين. أبدأ أدهن بالجِل وأحرك المجس علي جسده وأنظر في الشاشة أمامي، دوالي متفرقة حول الخصيتين، بعض الاحتقان الذي سبب له هذا الألم، الشرايين سليمة ومقاساتها مضبوطة، تمام يا أستاذ كله تمام، ثم أبصر علي الشاشة شيئا وأبدأ أتبينه، القناة المنوية مسدودة علي الناحيتين - وذلك نادر - انسدادا خلقيا ، حالة نبصرها في الكتب ولا نكاد نراها مطلقا بين المرضي، أبدأ أسترجع المكتوب في كتب الأشعة وأسأله: - هل تشعر بألم هنا؟ - لا يا دكتور. - العلاقة الزوجية فيها مشاكل يا أستاذ؟ - لا الحمدلله حضرتك، لكنها أصبحت مؤلمة قليلا بعد التعب الأخير. تماما كما هو في الكتب، المريض لا يشكو من الناحية الجنسية، أستعيد الأسباب في ذهني، أبتسم في ثقة وأواصل الفحص، ودون أي مبرر أنسحب من لساني وأسأله: - حضرتك عندك أولاد؟ - الحمدلله، ولد واحد. تنزلق الكلمة علي ذهني ثم تستقر، تضيء بمعناها مرة واحدة في عقلي، كيف يكون لديه أبناء، إن المسائل لديه سليمة لكنه من المستحيل أن ينجب، مستحيل، الإنجاب لا يعني إلا احتمالين، إما حدوث معجزة سماوية أو ذلك الشيء الآخر الذي في بالي، أُنهي الفحص في ارتباك وبسرعة بينما يضيف هو «عندي عمر، في خامسة ابتدائي»، «ربنا يخليه لك يا أستاذ، تستلم التقرير بعد ساعة إن شاء الله من السكرتارية». يبدأ في ارتداء البنطلون، يربط الحزام علي عجل، يشكرني بانحناءة من جسده وهو ينصرف، بينما أفكر أنا في هذا المأزق غير المتوقع ، أقلب الأمر علي جميع وجوهه، الدينية والأخلاقية والطبية، وأشعر براحة نسبية عندما يدخل مريض آخر، أبدأ في الفحص الجديد علي مهل، منتبها ألا أسأل أي أسئلة غير متعلقة بالفحص بعد ذلك.