عوض معيوي، المسمي «عاشق ضياء» لم تثنه التسمية عن الوقوف بحنطوره تحت مكتب ضياء المحامي في الشارع الفاصل مابين بنك الإسكندرية ومعرض إطارات الكاوتش لصاحبه أمين عرام. كان هذا هو مكان الانتظار الدائم، يضع العلف لحصانه، ويدور في المكان منتظراً أي زبون عابر.رغم الربو الذي جعل من نطقه حشرجة، يدخن ويتمشي ما بين الشارع الضيق وشارع الجلاء الرئيسي، حتي بعد اعتقال ضياء ووضعه في السجن، وتلطيخ مكتبه بمعرفة خصومه، ظل المكان هو المفضل فشارع الجلاء هو صرة البلد، موظفون، تجار موبيليات، وسيدات بيوت الأعيان اللاتي يخرجن «بالبيشة» علي وجوههن، ولا يقلن غير اسم المكان الذي يقصدنه، العرصة، القنطرة، ميدان سرور.. سيدات معروفات بالبيوت التي جئن منها، عائلة الطويل، زعتر، قصير الديل، سرحان. تفوح منهن روائح عطرية تجعل الحصان ينطلق بنعومة مستجيباً لطلب الراكبة قبل أن يلكزه «بالسُرع» أو الكرباج، غير أنه كثيراً ما أوقعه في الحرج فما أن تأتي سيدة من أسرة محافظة والحصان واقف في ظل بنك الإسكندرية حتي يصهل، ويروح يمدد طرفه ويتلكأ قبل السير دون أي داع، يسرع برفع جوال العلف ليخفي به المنظر عن السيدة وهو يضرب الحصان، غير أنه يلمح السيدة تبتسم من خلف«البيشة» يهمهم : إنه لايعرف كيف تفكر النساء، وهذا الواطي الأخرس يستعرض ما صُرف له دون خجل، يقترب من وجه الحصان متوعداً أن رئيس البلدية قادم يابن الواطي، فرئيس البلدية يملأ الحنطور بكامله حتي تكاد العربة تتفسخ، وهو لايستطيع أن يقول له لا فهو وعده بإصدار رخصة بناء لبيته في حارة «معري» البالغ مساحته 28متراً. يبني دورين الأرضي لمبيت الحصان والعربة والآخر للأولاد، ولا ينسي إصرار زوجته علي إلحاق ابنهما جابر كصبي مذهباتي في دكان رضا البيومي بشارع البندر. بعد سنوات من اعتقال ضياء وتقدمه بطلب عفو للسادات صار عمل الحناطير لايتوقف ليل نهار، وصار ركاب الحناطير من كل نوع، عمال، نجارون، صغار الموظفين، مذهباتية، طالبات مدارس، ربات بيوت، يذهبن للدكتور، أو حلويات البدري آخر الشارع التجاري، أو سوق السلع المهربة من بورسعيد في عزبة النسوان وباب الحرس، وعند الكوافيرات في شارع البحر. جرت النقود في يد الناس حتي إن أي واحد كان يمكنه ركوب الحنطور، بعد أن كانوا يركبون الكارو أو يقطعون المشاوير سيراً علي الأقدام. استطاع عوض معيوي في سنوات قليلة بناء البيت. لم يستمع أبداً لنصيحة راكبه المفضل الدكتور زغلول بالإقلال من التدخين، غير أنه ورغم النوبات الربوية لم يقل ولم يتوقف، وربما زاد في التدخين بعد أن سار بنفسه في جنازة الدكتور زغلول الذي كان لا يدخن. هرم الحصان وضعف، وانتشر التاكسي في كل شارع وحارة وزقاق، قل زبائن الحنطور، حتي إن دخله لم يعد يكفي لعلف الحصان. كبر ابنه جابر بعد أن أصبح أسطي مذهباتي وعرض علي والده أن يُبيت الحصان والعربة أمام البيت وأن يؤجر له عنبر الدور الأرضي ليُذهب به أطقم الصالونات وافق عوض معيوي مرغماً فليس أمامه حل آخر. مالم يستطع تحمله هو مجاهرة زوجته صراحة وبتأييد من ابنها برغبتهما في بيع الحصان والعربة، قبل أن يستلم إيجار الشهر الأول كان قد مات.