أشعلت سيجارتي في عنف راجعاً إلي المطبخ بعد أن خرجت منه بالإناء الفخاري وزودته بالفحم واضعاً قطعة الصندل الشجية.. ألتقط الكنكة مقلباً البن واضعاً إياه علي النار وسيجارتي في فمي دخانها يتصاعد تجاه عيني المدمعة ووجهي يمتعض.. أنفث دخاني بشراهة وأفرغ الكنكة بما تحتويه في الكباية متجهاً صوب الجهاز ضاغطاً play ليأتي صوت منير محملاً بجنني طول البعاد.. صرخات الجيتار الكهربائي تطرق أذني بعنف أري الأمواج الكهربائية تتخلل البلكونة، بالكامل وأنا ممسك بالورقة محاولاً كتابة شيء ولكن دون جدوي. أجهد ذاكرتي في محاولة لتذكر آخر تليفون منها.. التليفون يباغتني بنغمة «نورا» لفتحي سلامة.. أستدعي ذاكرتي المنهكة وسنوات الجامعة الضائعة..آخر تليفون بيننا كان منذ ثلاث سنوات حينما اتصلت بها لأدعوها لفرح أختي.. كان صوتها غير واضح تطغي عليه زحمة ما، الصوت يصل إليّ مشوشاً ممزوجاً بأهازيج، استجديت ذاكرتي كي أتذكر الحوار. إنتي فين وإيه الدوشة اللي حواليكي دي؟ أنا في الكتاب بحفظ الأطفال قرآن استمريت في حديثي لأخبرها بفرح أختي معقباً بدعوتي لها بتوجس أنا مابحضرش أفراح.. علي فكرة يا إبراهيم أنا اتنقبت ربنا يهديك ودعتها والحنق يملؤني من كلمة أنا مابحضرش أفراح، كما أزعجتني كلمة «ربنا يهديك». ابتسمت حينما بدأت النغمة تلفظ أنفاسها الأخيرة بصوت المزمار، أشعلت سيجارة تاركاً التليفون علي السرير قائلاً في قرارة نفسي ربنا يهدينا جميعاً مندفعاً تجاه البلكونة للكتابة.