.. وعندما كانت ليلة الأربعاء.. توجهنا جميعاً ونحن في كامل الملابس الرسمية.. إلي نادي القضاة بالمنصورة علي النيل.. لحضور حفل زفاف الأستاذة.. وكيلة نيابة.. وكريمة المستشار.. رئيس محكمة.. علي السيد... رئيس نيابة.. وأزيد سعادتك من الشعر بيتاً.. شقيقة العروس رئيسة نيابة وزوجها وهو صديقنا.. مستشار بدرجة رئيس محكمة.. فيما شقيقتهما الثالثة الوحيدة التي أفلتت من سلك الباشاوات.. وطلعت دكتورة واتجوزت دكتور.. كانت القاعة في أبهي زينة تعج بكم لا يعد ولا يحصي من الباشاوات وأصحاب المعالي.. يتقدمهم المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة.. وتراجعت حرارة الجو ليلتها تأدباً واحتراماً لهيئة القضاء المصري الشامخ.. وهبت نسائم عليلة ولفحات من الهواء منعشة ورقيقة.. كيلا يتعكر الجو العام لهذه الليلة الخاصة.. ذات الطابع القضائي المتفرد.. وتأملت من مكاني الوضع العام والحضور العالي.. وللصدف لم يكن من ضمن الحاضرين جنس محام واحد.. وللدقة لا أعلم يقيناً هل كان هذا من قبيل الصدف.. أم أنه تماشياً مع الوضع الحالي من تصاعد الأزمة بين ضلعين من مثلث المنظومة القضائية.. القضاء والمحاماة.. فيما الضلع الثالث وهو المتقاضي لا يحرك ساكناً.. بانتظار ما سوف تسفر عنه هذه الحرب النووية الحقوقية؟!.. وحتي تكون كلماتي علي أرضية من الواقع حاولت تقصي الحقائق.. وتأكدت من أكثر من صديق من المحامين أنهم لم يحضروا الحفل عن تعمد وقصد.. وأردت التيقن.. يعني فعلاً الموضوع وصل لهذه الدرجة من السخونة؟.. وجاءني الرد. نعم وأكثر مما تتخيل.. ماحدش علي رأسه ريشة في البلد دي.. مش مرتضي منصور وهو من هو.. دخل السجن؟! في موضوع المرحوم المستشار سيد نوفل.. خلاص يبقي الموضوع يتوزن وكل واحد ياخد حقه.. هكذا كانت كلمات صديقي المحامي سريعة ومتدفقة.. ولبست روب المدعي وحاولت الرد علي المحامي.. يا أخي ما هو المحامي غلط برضه في وكيل النيابة.. ولو كل واحد حاول ياخد حقه بإيده.. حنبقي في فوضي وسوف تسقط هيبة واحترام المنظومة التي يفترض أنها الملاذ الأخير لكل مظلوم وأي محتاج.. وصافحت المستشار أحمد الزند وعانقته.. الموضوع ده مش حايخلص بقي يافندم؟.. إن شاء الله ربنا يسهل.. والحقيقة جلست بجوار الرجل وراقبته من قريب.. دمث الخلق ومهذب ومتواضع للغاية.. وتعجبت من انفعالاته خلال الفترة الماضية.. ولكنني التمست له العذر مثلما التمسته لأقطاب المحامين.. مرتضي ومنتصر والسادات والطوخي.. الموقف غاية في الحساسية.. وكيل نيابة يضرب محامياً.. وهذا يرد القلم قلمين علي مرأي من الجميع.. وسألت صديقي الباشا.. وأنت رأيك إيه؟ كان المفروض الموضوع مايكبرش كده.. وأحسست بمدي حيرته وأسفه من تصاعد المشكلة بهذا الشكل.. فلم أضغط عليه.. وفلان وفلان ماحضروش ليه؟ ضحك وهو يبتعد.. دول محامين يا سيدي.. كان الأمن مستتباً تماماً.. وكل عناصر الفرح زاهية ومتألقة.. والسعادة تصبغ كل الوجوه.. والبوفيه علي أعلي مستوي.. وكل شيء متوافر بكثرة وبدرجة عالية من التقنية.. حاتمية النزعة.. وحقاً وصدقاً ومع الأخذ بعين الاعتبار أنه فرح وجو سعيد.. إلا أنني وجدت تفهماً ورحابة صدر من كل من تحاورت معهم من باشاوات النيابة والقضاء.. وأنا كمتقاض منتظر.. (ومن في هذا الوطن ليس متقاضياً منتظراً؟!).. أشفقت علي نفسي وغيري من هذه القطيعة وذلك الخصام وتلك القطيعة بين الضلعين الأساسيين.. في مثلث منظومة الصراع الدائم والأزلي بين كل البشر.. وهكذا توجهت من فوري إلي الكوشة.. وباركت للعروسين وتمنيت لهما السعادة والتوفيق.. ثم اتجهت للديسكو جوكي.. واستسمحته في المايك.. وأسكت الموسيقي الصداحة بيدي.. ووجهت النداء الذي كان يتردد في أرجاء دماغي طيلة السهرة.. بني وطني.. السادة أصحاب المعالي والباشاوات.. أرباب النيابة والقضاء المصري الشامخ والعظيم.. حنانيكم ورفقاً بنا وبهذا الوطن.. وعلي البُعد أوجه نفس النداء لكل السادة المحامين.. كفاكم تصعيداً.. وسواء رضيتم عن تصرفات نقيبكم أم لم ترضوا.. فإن إضرابكم واعتصامكم ليس موجهاً ضد القضاة قدر ما هو يضر ويؤذي المواطنين البسطاء أصحاب الحاجات.. فلنحقن جميعاً الدماء ونذهب لقول حق يرضي كل الأطراف.. فليعاقب كل من أخطأ وبنفس الميزان.. وليجلس الكبار علي مائدة واحدة ويوحدوا الصفوف ويهدئوا النفوس.. وليس وكيل النيابة بأكرم من المحامي والعكس أيضاً.. كلنا سواسية وكلنا نشرب نفس المياه وندفع ذات الضرائب.. ونعاني طبق الأصل كل أنواع المعاناة.. لذلك يا سيادة المستشار أحمد الزند ويا أستاذ حمدي خليفة.. يا قُوَّاد جناحي العدالة.. تعالا معاً لكلمة سواء.. وكفي هذا الوطن صراعات وخصومات و... و.... إيه ما بتاكلش ليه؟.. كنت قد استغرقت تماماً في خطبتي العصماء التي ألقيتها في خيالي.. وأفقت لأجد الجميع مستغرقاً تمام الاستغراق فيما لذ وطاب.. ألف مبروك وربنا يتمم بخير ويرزقهم الذرية الصالحة.. كان المستشار أحمد الزند يبارك لأهل الفرح وهو يتأهب للانصراف.. سلمت علي سعادته وفي أذنه رجوته ضبط النفس لأجل المواطنين الغلابة.. أومأ كريماً وموافقاً.. إن شاء الله.. إن شاء الله.. ربنا يسهل ويهدي الحال.. ياااارب.