آخر ما كان يمكن تصوّره يحدث أمامنا الآن.. نجحت مخططات الأعداء فى إغراق المنطقة من حولنا فى الفوضى والإرهاب.. سقطت دول ودُمِّرت أخرى لترتفع الصيحات فى عديد من الأوطان المنكوبة طلبًا للتدخُّل الأجنبى الذى كان الحديث عنه قبل سنوات هو الخيانة بعينها! إسقاط المشروع العربى كان مقدّمة ضرورية لإطلاق مشروع أمريكا لشرق أوسط جديد تعيد تشكيله وفقا لمصالحها ومصالح حلفائها. غزو العراق كان هدفه -كما قال المسؤولون الأمريكيون أنفسهم- تقديم النموذج المطلوب فى دول المنطقة. كان البعض يتوهَّم أنهم يتحدَّثون عن الديمقراطية والرفاء، فإذا بنا أمام مخطط كامل لهدم الدولة وتسريح الجيش، ووضع أسس نظام طائفى كان لا بد أن يقود إلى الكارثة التى يعيشها العراق اليوم. من العراق إلى سوريا وليبيا واليمن كان يجرى نقل «النموذج الأمريكى» من العراق إلى دول المنطقة العربية. أفلتت مصر من المؤامرة بثورة 30 يونيو، ولهذا تتعرَّض لمختلف الضغوط وكل المؤامرات. ليس مطلوبا أن تستعيد مصر قوتها وأن تستردّ دورها فتعود الحياة إلى القوة العربية الغائبة. المطلوب أن تظل المنطقة العربية تحت الهيمنة، وأن يظل اللاعبون الإقليميون الأساسيون هم إسرائيل وتركياوإيران. العداء للعروبة يجمع هذه القوى ويضعها فى خدمة المخطط الأمريكى، بالإضافة إلى أنها ستساعد فى إغراق المنطقة فى الحروب المذهبية والطائفية كما نشاهد الآن. المنطقة الآن تغرق فى الفوضى.. السياسات الأمريكية التى سلَّمت العراق لنفوذ إيران هى نفسها التى سمحت لإرهاب «داعش» أن يتقدَّم. الذين دمَّروا ليبيا تركوها لعصابات تتقاتل على سلطة وهميّة، بينما اكتفوا هم بالسيطرة على آبار البترول.. الذين حوَّلوا ثورة شعب سوريا المسالمة إلى قتال مدمّر سمح لعصابات الإرهاب بأن تسيطر، ما زالوا صامتين حتى بعد أن أصبح لبنان هو الآخر تحت التهديد.. الذين جاؤوا بالإخوان لحكم مصر ما زالوا يتآمرون على شعب أسقط هذا الحكم الفاشى ويشعلون النار على حدوده من كل الاتجاهات.. ضمير المسؤولين فى الغرب لم يهتز لآلاف الأطفال والنساء والمدنيين من ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة، ولا من مشهد المجازر التى تجرى فى ليبيا والعراقوسوريا واليمن، ولا من جرائم التطهير العرقى والدينى على أيدى «داعش» وأخواتها. فقط تحرَّكت الإدارة الأمريكية أخيرا بفعل الضغوط الداخلية وللحفاظ على المصالح الأمريكية، وأهمها البترول فى كردستان العراق. التدخُّل الأمريكى محدود، والكلام حاسم بأنه لن تذهب قوات أمريكية إلى هناك. الغريب أيضا أن تركيا تقول إنها غير معنية بالأمر، بينما «داعش» تقترب من حدودها! وإيران لا يهمها إلا تثبيت نفوذها والاحتفاظ بالسلطة فى بغداد بيد حلفائها! ما يحدث فى سوريا وليبيا واليمن قريب من ذلك بصورة أو بأخرى. والمعنى أن الخطر يتزايد، ومخطط إغراق العالم العربى فى الفوضى والدمار يتم تنفيذه بإصرار.. طلب التدخُّل الأجنبى ليس حلا فى منطقة تحوَّلت إلى ساحة لصراع الإرادات الدولية والإقليمية. التحالف العربى لمواجهة الإرهاب لم يعد من الممكن تأجيله. الدول الفاعلة (أو ما بقى منها بعد ضياع العراقوسوريا) كلها تتعرَّض للمخاطر.. مصر والسعودية ودول الخليج والجزائر والمغرب والأردن تواجه مختلف التهديدات. التحالف العربى لا يعنى فقط زيادة القدرة على ضرب الإرهاب ومواجهة التحديات، لكنه يعطى للعالم رسالة واضحة بأننا نريد أن نكتب مصيرنا بأنفسنا، وبأننا مصممون على تقديم الوجه الحقيقى لإسلام لا يعرف الإرهاب، ولعروبة لا تعرف العنصرية. الحل فى العراق وفى سوريا وليبيا واليمن، وغيرها لن يكون إلا بعودة الجميع إلى عروبتهم.. المشكلة أن أعداءنا ما زالوا يرون أن العروبة أخطر عليهم من «داعش». سيعرفون خطأ حساباتهم بأقرب مما نتصوَّر، لكن المهم الآن أن لا نخطئ نحن الحساب أو نتأخّر فى المواجهة، أو نتجاهل أهمية التحالف المطلوب أمام خطر يهدّد الجميع بلا استثناء.