أن يبكي بعض طلبة الثانوية العامة بعد خروجهم من امتحان بعض المواد..فهذا طبيعي لأنه لن يتفق ربع مليون طالب علي سهولة أو صعوبة امتحان..ولا يمضي موسم امتحان للثانوية العامة دون أن تنشر الصحف صوراً لبكاء بعض الطلبة..جري ذلك حتي في مواسم امتحانات شهدت نتائجها مجاميع فلكية للطلاب كسرت حاجز المائة. وعندما يشتكي أولياء الأمور من صعوبة امتحان بعض المواد..فهذا منطقي لأنهم يتأثرون بما ينقله لهم أبناؤهم الطلاب..وعندما يدلي وزير التربية والتعليم بتصريح هنا وآخر هناك..لطمأنة الرأي العام..فهذا من مقتضيات مهمته الوزارية. وعندما ينفعل بعض أعضاء مجلس الشعب تحت القبة ويثورون لصعوبة الامتحانات..فهذا تصرف يتفق وأداء نوابنا..وحدوث العكس هو ما نراه ضد المنطق..فهؤلاء النواب لهم أبناؤهم وأقاربهم وأهالي دوائرهم وجميعهم يخوضون امتحانات الثانوية العامة..الأهم هنا هو أن ثورة النائب ستحفظ له مكانته عندما يعود لدائرته..خاصة أن انتخابات مجلس الشعب علي الأبواب..والأكثر طبيعية هو اهتمام وسائل الإعلام بما جري..فهل هناك حدث يضمن الجماهيرية للوسيلة الإعلامية أكثر أهمية من امتحانات الثانوية العامة. كل ماجري مفهوم ويتكرر كل عام..لكن وسط هذا الصخب والبكاء والعويل وتصيد الأخطاء والتبريرات غير المقنعة علي لسان كل طرف..غاب المنطق الذي يحكم كل أمر..ولم يعد هناك رابط أو ضابط..بعد أن وجدنا الطالب يقيم المعلم..والوزير يقسم بأن الامتحانات في مستوي الطالب المتوسط..كأنه من العيب أو عجائب الأشياء أن تحتوي ورقة الامتحان علي أسئلة تقيس مستوي الطالب الذكي..وإذا نحينا العواطف جانباً وأعملنا العقل سنكتشف مايلي: 1-لم نقرأ أو نسمع تعليقاً من خبراء في العملية التعليمية يقيِّمون الخطوات والإجراءات التي جرت في امتحان هذا العام..كما لم نسمع تعليقات خبراء في وضع أسئلة الامتحانات يقيِّمون فيها امتحانات هذا العام..بمعني آخر..لقد تحدث كل من هب ودب دون أن نستمع لأهل العلم والخبرة..لكن لماذا في تلك القضية نريد أن يغلب رأي الخبرة والعلم بينما لدينا من يفتون في كل شيء وفي كل التخصصات؟!. 2-عندما يعتاد طلاب الثانوية العامة وأسرهم علي نمط معين من أسئلة الامتحانات يتسم بالسهولة واليسر..ونسب مجاميع مرتفعة تتجاوز العقل والمنطق ثم يفاجأوا بما هو عكس الماضي..فرد الفعل الطبيعي هو الصدمة ثم الانفعال والغضب والثورة..وهذا ما فعله الطلاب وأولياء الأمور. 3-هناك آليات وطرق يمكن من خلالها قياس درجة صعوبة أو سهولة الامتحانات، لكن تلك الآليات محلها وزارة التربية والتعليم وليس وسائل الإعلام أو قاعات مجلس الشعب..فلماذا لا نعطي العيش لخبازيه!. 4-هل السطور السابقة هي انتصار لسياسة زكي بدر وزير التربية والتعليم..إطلاقاً.. بل ظني أن الوزير قد أخطا كثيراً في تعامله مع ملف الثانوية العامة حيث اتسم أداؤه بالخشونة والعنف..كأنه في زيارة إعلامية لإحدي مدارس الوزارة..فجري الاستعراض دون أن يدري أن الثانوية العامة هي أزمة كل بيت..بل تحمل في طياتها منتجاً سياسياً من الطراز الأول قد يستدعي تدخل رئيس الجمهورية..لكن زكي بدر تعامل بقليل من الحنكة وكثير من الغلظة..ودخل بصدره في القضية برمتها..فلا عذر سياسي له حتي لو كانت نواياه طيبة. إذا لم يكن وزير التعليم قد نال ملاحظة رئاسية علي ماجري في امتحانات الثانوية العامة..فتقديري أنه مع تكرار الخطأ في ملف تعليمي آخر أكثر سخونة فإن ذلك قد يكلفه كرسي الوزارة..لكن رغم كل هذا الكلام لم نصل إلي حل مشكلة أزلية تتكرر كل عام اسمها الثانوية العامة..فما هو الحل؟.