في مصرع الشاب السكندري خالد سعيد.. هناك روايتان.. الأولي لأسرة الضحية والتي تقدمت ببلاغ للنيابة تتهم فيه مخبرين من وحدة مباحث سيدي جابر بتعذيب ابنها حتي الموت.. عندما جروه من المقهي الذي كان جالسا عليه.. بعد اعتراضه علي طريقة تفتيشه وتوجيه الأسئلة إليه.. فما كان من قوة الشرطة إلا سحله وجره إلي القسم.. ثم ممارسة جميع طقوس وألوان التعذيب ضده.. وبعد تأكدهم من مصرعه.. عادوا وقذفوا به أمام المقهي. الرواية الثانية كشفت عنها تحقيقات النيابة مع المتهمين.. حيث أفادوا أنهم أثناء مرورهم لمتابعة الحالة الأمنية.. شاهدوا كلاً من خالد محمد سعيد (القتيل) والذي سبق اتهامه في 4 قضايا سرقة وحيازة سلاح أبيض وتعرض لأنثي بالطريق العام وهروب من الخدمة العسكرية.. كما أنه مطلوب ضبطه في حكمين بالحبس شهراً في قضيتي حيازة سلاح أبيض وسرقة.. وموظف آخر بشركة بترول عمره 26 سنة.. وسبق اتهامه في إيصالات أمانة ومشهور عنهما الاتجار في المواد المخدرة.. وبحوزة الأول لفافة يشتبه أن يكون بها مادة مخدرة.. وعند محاولة استيقافه فر هارباً.. إلا أن شرطيين تمكنا من ضبطه وحاولا تحريز اللفافة التي معه.. لكنه ابتلعها ليصاب بحالة إعياء شديدة نقلاه علي إثرها بمساعدة بعض الأهالي للمستشفي الجامعي بسيارة إسعاف.. لكنه فارق الحياة.. وعندما سألت النيابة الموظف وشهود العيان أكدوا مضمون ما سبق.. لتقرر النيابة إخلاء سبيل الشرطيين. عندما تنتهي من قراءة روايتي أسرة القتيل ورجال الشرطة ثم تطالع بعدها صورة القتيل خاصة منطقة الوجه.. ستلاحظ تشويها كبيرا في منطقة العينيين والفك السفلي الذي تدلي مع تورم شديد لوجه القتيل.. عندئذ سوف تتأكد أن المسألة تجاوزت ابتلاع القتيل لفافة المخدر، فما العلاقة بين ابتلاع لفافة المخدر والتشويه الحاصل في وجه القتيل.. وإذا كان تقرير الطب الشرعي قد أكد أن الوفاة سببها اسفكسيا الخنق.. فإنه كان لزاما عليه أن يوضح أسبابا أدت إلي تشويه وجه القتيل.. وكنت أرجو النيابة أن تسأل المتهمين من رجال الشرطة عن السبب وراء تشويه وجه القتيل. وإذا سلمنا بكل ماذكرته قوة الشرطة أمام النيابة عن سوء الصحيفة الجنائية للمتهم.. وأنه ارتكب كل هذه الجرائم.. فهل هذا يبرر ممارسة أقسي وأحط أنواع التعذيب تجاه متهم أعزل لم يمثل بعد أمام القضاء.. أم أن أفراد الشرطة المتهمين بالتعذيب قد اعتقدوا أنهم القضاء والنيابة ومعهم سلطة إلقاء القبض أيضا.. ومن الذي حشر تلك العقيدة في أدمغتهم؟! عندما مرت الشهور القليلة الماضية دون قراءة أو مشاهدة حادثة تعذيب في وسائل الإعلام.. ظننت وقتها أن الداخلية ربما تخلت -ولو مؤقتا- عن ممارسة أساليب التعذيب في أقسام الشرطة.. لكن جاءت حادثة مصرع الشاب خالد لتنفي حسن ظني. هناك فئة بعينها داخل جهاز الشرطة خاصة في بدايات السلم الوظيفي.. لديها قناعات مرضية بحب الظهور وإثبات الذات من خلال ممارسة هذا السلوك الإجرامي تجاه إنسان (حتي لو كان متهما) أعزل. نعرف أنه لايمكننا اتهام جميع العاملين بجهاز الداخلية بتلك التهم الشنعاء.. لكن هؤلاء الصغار في الوزارة يجب أن يكون عليهم رقيب أو كبير حتي يوقف هذه العمليات الإجرامية بحق المصريين.. ولابد أن تعي الداخلية أن استمرار ممارسة هذه السياسة يفقدها احترام المجتمع، والأصل أن تكون العلاقة سوية بين الشعب ورجال الأمن. سؤالي لقيادات الداخلية هو: ماهو شعور أحدكم إذا ودع ابنه في الصباح ثم عاد إليه بعد ساعات مقتولا؟ وماذا لو ترك لنفسه أن تغضب كما شاءت؟ سنعذره (لو جاب عاليها واطيها).. فلماذا تحجرون علي الناس غضبهم؟. قد يكون القتيل خالد سعيد متهما بماورد في تحقيقات النيابة.. لكن المؤكد أنه قتل دون ذنب، بينما هناك متهمون حقيقيون في هذه الجريمة يكادون يفلتون بجريمتهم.. ولابد من حصارهم ومحاكمتهم.. ليس من مصلحة مصر فساد العلاقة بين المواطنين والداخلية.