ها هي قوات الأمن تزيل بالقوة الغاشمة المعتصمين، والمحتجين، والمتظاهرين عند مجلسي الشعب والشوري، فبعد ضربهم بالهراوات، واعتقل بعضهم، تم تهديد الباقين بالاعتقال إلي أجل غير مسمي، إذا لم ينفضوا فورا! وهكذا ننتقل من مشهد التفاخر بوجودهم كشكل ديمقراطي، إلي مشهد الأمن وهو يسحقهم بشكل غير ديمقراطي! فهل ستنتهي بهذه الطريقة الاحتجاجات في مصر؟ طبعا لا. فشدة الفاقة، وقسوة الفقر، واستبداد الحكم، وفساد الإدارة، شكلت معاناة يومية للمصريين، مما أصابهم بيأس قاتل، يمكن أن ينفجر في أي لحظة، مع حالة من الإحباط العام، بسبب سياسات اقتصادية فاسدة للغاية وغبية جدًا، حتي قال د. زكريا عزمي: لعنة الله علي الخصخصة، وحرامية الخصخصة!» لكنه لم يقل من صاحب قرار الخصخصة، ومن هؤلاء الحرامية؟! ستعود الاعتصامات والاحتجاجات والمظاهرات، بشكل أكثر تنظيما وإصرارا وقوة، فلن يكف المصريون عن المطالبة بحقوقهم المنهوبة، في بلد يتفاوت فيه توزيع الثروة بطريقة غير معقولة، فمن يري المصريين في ملاعب الجولف، وحمامات السباحة في القصور والفيللات والمنتجعات، ثم ينظر إلي عشرات الملايين في مقالب الزبالة، والقذارة تحاصرهم في القبور والعشش والعشوائيات، يتساءل: كيف وصلنا إلي هذه الحالة بعد عقود من 1952؟ وثمة موقف رسمي من هذه الاعتصامات، وهو موقف اللامبالاة من أصغر المسئولين إلي أكبرهم! فكيف يجلس مسئول في مكتبه المكيف، ويترك من هو مسئول عنهم ينامون في الشارع؟! فوزير الزراعة - مثلا - يري في كل يوم أمام باب وزارته الفلاحين المعتصمين، فلا يصنع لهم شيئا، سوي أن يتأكد من وجود قوات كافية من الأمن لحمايته الشخصية. وفي كل هذه الاعتصامات لا أثر يذكر للنقابات، فأين رؤساء النقابات العمالية؟! وماذا يصنعون بالضبط؟ وأين حسين مجاور - رئيس اتحاد العمال -؟! وأين وزيرة القوي العاملة عائشة عبد الهادي؟! هذه العاملة البسيطة التي خرجت من صفوف العاملات، إلي العمل النقابي، ثم تقلدت كرسي الوزارة، فماذا قدمت للعمال الذين نُهبت حقوقهم، وطردوا من مصانعهم بعد الخصخصة؟ لكننا، والحق يقال، يجب ألا ننسي موقفا عظيما وقفته معالي الوزيرة عائشة عبد الهادي، فقد قدمت لعمال مصر عملا جليلا، أفاد العمال جدًا، بل أفاد المصريين جميعا، حين انكبت سيادتها لتقبل يد السيدة سوزان مبارك!