دائما حينما يبلغ الناس الكبر تجدهم يلجأون إلي الله، يستوي في ذلك من كان منهم متدينا في حياته أم كان تدينه موسميا بحسب الظروف والأحوال! لكن الكبر بالذات هو أكثر المراحل العمرية تزلفا إلي الله، حيث يشعر الإنسان بدنو أجله وبأن المسافة لم تعد بعيدة للوقوف بين يديه سبحانه وتعالي، ولعل في إجابة الرئيس مبارك بالنظر إلي السماء علي سؤال الصحفي الإيطالي في المؤتمر الصحفي الذي عقد في أثناء زيارته الأخيرة لروما، عما إذا كان ينوي ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ما يوحي بهذا الشعور، فالرئيس مبارك رغم كل ما يحيط به من تبجيل وما له من صلاحيات وإمتيازات دستورية إلهية، بشر مثلنا ،له كبد تهفو كأكبادنا وله فؤاد شاعروأيا ما كان ما يشعر به! خوف من المجهول أو رضاء عن النفس أو وخزات متفرقة من الضمير حين تهب رياح محملة برائحة الفقر والغربة والظلم، المهم أنه بهذه الإيماءة لأعلي قد أتانا بشئ جديد ومختلف صحيح كالعادة مبهم لكنه جديد وبما أن ما يأتي في هذا الاتجاه شحيح إلا أنه - والحق يقال - ينعش الذهن ويجعله يجتهد ويقدح زناد فكره ونحن نعيد السؤال عمن سيخلفه وماذا يقصد يا تري بهذه النظرة التي لم يعقبها كلام ولا حتي ابتسام، هل قرر الرئيس أن يدع مستقبل مصر للخالق يرمي بحموله عليه ويشرخ في وادي شرم الشيخ الفسيح معتكفا ومتأملا؟ أم يمارس لعبته المفضلة التي عودنا عليها أن يجعلنا نغرق في بحار التخمين ثم يفاجئنا بما لم نتوقعه سواء أكان يرضينا أم لا ويظل في واديه البعيد يضحك ويتندر فلا أحد يعرف داء هذا البلد غيره ولا أحد لديه دواؤه غيره ،أو ربما قرر أن يستخير الله فيمن يصلح لخلافته ولم تأته الإشارة الإلهية بعد!المهم أنه أربك البعض وجعلهم يلهثون وراء الإيماءة والإشارة والعبارة ،ثم تخمد نارهم قليلا حتي يطلع علينا بشئ آخر يشعلها وهكذا دواليك، وهو موقف مهين لنا كدولة وكشعب ،أن يصبح مستقبل الحكم في دولة كمصر في يد فرد يحيطه جهازه الأمني المسخر لأمانه وتأمين حكمه بدعوي المحافظة علي الاستقرار، بينما الواقع يترنح فوق برميل بارود محاط بطبقة من الإسفنج الواهي و كل يوم تتكشف حقائق حول حجم التسيب والإهمال والفساد الذي يعرض أمننا القومي لخطر حقيقي والأداء السيئ لإدارة أزماتنا مثلما رأينا فيما عرف بالاتفاقية الإطارية لحوض النيل والتي أسفرت عن قيام خمس دول من دول المنبع بالتوقيع علي اتفاقية، تنتقص من حصة كل من مصر والسودان من مياه النيل وبينما تقلل حكومة الحزب الحاكم من خطورة هذه الأزمة يقف مواطنوها في الطوابير للحصول علي ماء نظيف يشربونه وحدائق ملاعب الجولف في منتجعات الصفوة الحاكمة تتألق اخضرارا واتساعا بفعل وفرة الماء المخصص لها، وأزمة المياه هي عنوان من ضمن عناوين أخري لملفات أخري لا تقل خطورة مثل العلاج علي نفقة الدولة وتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل وجرائم زراعة القمح والتعليم ونهب الأراضي وتفصيل القوانين، الله في عونك يا سيادة الرئيس، فالمسئوليات التي تحملها تنوء بها الجبال والتركة التي ستتركها بعد عمر - نرجوه أن يطول - أثقل من أي تركة أخري تركها رئيس قبلك، فالتركة التي تركها عبدالناصر للرئيس السادات كانت تحرير الأرض والتركة التي تركها لكم السادات كانت إعادة مصر إلي الصف العربي والسجون المعبأة بكتاب مصر ومفكريها، أما تركتكم يا سيادة الرئيس فهي بالتأكيد أكثرها حاجة اللجوء إلي الله، فحتي الآن لا يوجد في الأفق ما يشير إلي قدرة البشر علي حملها وربما لهذا السبب كان عزوفك الحكيم عن اختيار نائب لك، والجهاد والاجتهاد لضمان خروج آمن حتي لا تطالب بخروج عادل لا يؤمن عقباه، انظر إلي أعلي فكلنا ينظر معك فالأرض تحت أقدامك وأقدامنا لا تحتمل ما نرجوه ونتمني ولا تستوعب حتي مطلبنا الوحيد.