مات «إلوود»، أعلم أنكم لا تعرفونه، إلا أن الصحافة والإعلام العالمى أفرد له مساحات كبيرة من الاهتمام.
إلوود عمره 8 سنوات، وهو فى مقياس فصيلة الكلاب، لم يكن قد وصل بعد للشيخوخة، لأن الكلب يعيش حتى 14 عامًا، أى أنه رحل فى عز عطائه وشبابه، سر الشهرة التى حققها أنه كان الأقبح بين كل الكلاب، ولهذا كثيرًا ما تمت الاستعانة به فى تصوير المسلسلات والأفلام.
صاحبة الكلب، أكدت أنه لم يكن يعانى من أى مشكلة نفسية بسبب قُبح منظره، ودلائل القبح هى أن لسانه كان يتدلى من ناحية اليسار، كما أنه ولد غير مكتمل الأسنان، فكه الأيمن بلا ضروس، مما أثّر سلبًا على ملامح وجهه، ولكنه كان سعيدًا بحياته وبنظرات الناس إليه التى كانت دائمًا تمنحه حبًّا ودفئًا.
شاهدت صوره وهو يرتدى قبعة وتيشيرتًا، فلقد كان ممن يطلقون عليهم بلغة السينما «كاراكتر»، نمط جذاب كما أنه «فو تو جينيك»، أى من الوجوه التى ترتاح إليها الكاميرا، وهذا ليست له علاقة بالجمال أو القبح، عاش إلوود فى ولاية كاليفورنيا التى تقع فيها هوليوود، فهو فنان حتى بمكان الميلاد.
فى الحقيقة ما استوقفنى فى الخبر أن البشر لم يتعودوا على إقامة مسابقات للقبح، حتى موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية لا تستطيع أن تعتبرها بمدلولها الرقمى تعنى جمالًا أم قبحًا مثل أقصر وأطول إنسان وغيرها، كما أن هناك مسابقات للأجمل بين الحيوانات، مثل الخيل والجمال والديوك والصقور والقطط وغيرها، ولكن لم أقرأ مرة عن أقبح جمل أو أبشع قط.
هل ما تراه فصيلة البشر قبيحًا أو جميلًا بين فصيلة الحيوانات هو أيضًا كذلك، بالطبع ذائقة الجمال بشرية بالدرجة الأولى، فلا يوجد حيوان من الممكن أن يشعر بأنه الأجمل أو الأشهر، ولكن هناك عوامل أخرى قد تجمعها، قرأت مرة للكاتب الكبير د.محمد المخزنجى، أن الخفافيش والتى تتغذى على الدماء، عندما يعجز بعضها عن الحصول على ما يضمن لها الحياة من الدماء وتنزوى فى أعشاشها فى انتظار لحظة النهاية، فإن ما ينقذها من الموت المؤكد هو خفافيش أخرى أخذت نصيبها من الدماء ومن الممكن أن تخرج من فمها ما احتفظت به ويزيد على احتياجها لتمنحه لرفيق أو صديق يتضور بردًا مشرفًا على الموت، الاحتياجات الطبيعية للحفاظ على الحياة هى المحرك للدوافع ولا أتصور أن الأمر مرتبط بمسؤولية تشعر بها الحيوانات تجاه بعضها ولكنها غريزة البقاء.
الكثيرون يعتقدون أن الجمال نعمة، وهى بالقطع كذلك، ولكن هل القبح نقمة مطلقة؟ لو اتسعت النظرة إلى عالم البشر لاكتشفت مثلًا فى عالم التمثيل أن بعض الممثلات كانت تُسند إليهن الأدوار لما يتمتعن به من قبح، أعرف ممثلة نصيبها قليل فى هذا المجال، ولكنها صارت بطلة، ولأنها تملك القرار، ولأن المخرج يخضع لها، فهو يعرض عليها أسماء المشاركات معها فى العمل الفنى وتختار الأقل جاذبية وجمالًا، القبيحات يجدن بجوارها الفرصة مواتية.
ويبقى مفهوم الجمال وارتباطه بالزمن، من المؤكد أنه ليست هناك مقاييس مطلقة، انظر إلى صورة فاطمة رشدى أو إلى منيرة المهدية، لقد كانتا فى الثلاثينيات وحتى مطلع الأربعينيات من أجمل الجميلات، لكنك لن تستطيع بمقياس زمننا أن ترى دلائل لهذا الجمال. التقيت مرة واحدة الفنانة الكبيرة فاطمة رشدى، وذلك فى مطلع التسعينيات، قبل رحيلها بسنوات قليلة، وكانت تقطن فى فندق متواضع وبلا أى مورد للرزق، والتقينا فى مقهى فى وسط البلد، وكانت قد وضعت أطنانًا من الماكياج على وجهها، وكأنها لا تزال «الفيديت» التى تسحر الملايين.
كانت فاطمة رشدى فى مطلع القرن الماضى هى صديقة الطلبة، حيث كانت تفتح مسرحها أحد أيام الأسبوع مجانًا للطلبة، فكانوا عندما يرونها يحملون عربتها إلى باب المسرح، صورتها تتصدر أغلفة المجلات ومانشيتات الجرائد، لقد بلغ حد جمال فاطمة أن أثرياء ذلك الزمان من مصريين وأجانب كانوا يرصدون لها الأموال التى تريدها لتحقيق أحلامها الفنية، حتى إنها لعبت بطولة وأخرجت فيلم اسمه «الزواج» عام 33، ولم تعجبها فى النهاية ملامحها على الشاشة فقررت أن تحرق النسخة.
ومر زمن وتبدّلت الملامح وتغيّر الذوق الجمالى، فلم يعد أحد يرى فى وجهها هذا السحر، إنها لعنة الجمال، ومن الممكن أن تجد فى القبح نعمة فى البشر والحيوانات، وتذكّروا الكلب إلوود الذى صنع منه القبح نجمًا فى حياته وبعد رحيله.