تبقي أفلام المؤامرات من أكثر الأفلام التي تحقق قدرًا كبيرًا من الإثارة للمتفرج نظرا لاعتمادها علي حالة من الغموض والكشف التدريجي لملابسات الأحداث الغامضة وحقيقة الشخصيات التي تظهر عكس ما تبطن من مشاعر وأخلاقيات، في العديد من هذه الأفلام يبقي المشاهد حتي اللحظة الأخيرة من الفيلم بين الشك واليقين فيما يدور أمامه من أحداث، ويعتمد فيلم المؤامرة علي عنصر الذكاء في حبكته، فهو يختلف عن فيلم الأكشن في أن الحبكة البسيطة أو غير المنطقية تفسده وتجعله مثل اللوحة المزيفة تبدو جميلة عن بعد وكلما اقتربت منها وتحققت من تفاصيلها اكتشفت زيفها وركاكتها. وفي فيلم «Edge of Darkness» «حافة الظلام» مزج واضح بين دراما الجريمة والإثارة والسياسة.. هو واحد من الأفلام التي تتناول مؤامرة يصل نفوذ أبطالها إلي مناصب عليا في الدولة وبالتالي مواجهتهم أمر مستحيل لأنه يعني الموت. بطل الفيلم يسعي للعدالة لكنه يجد نفسه متورطاً مع مؤسسة إجرامية تخفي حقيقة نشاطها بقتل أعدائها بلا رحمة. الفيلم مأخوذ عن مسلسل تم إنتاجه عام 1985 من قبل شبكة «BBC» البريطانية وحمل الاسم نفسه، ونري في بدايته مشاهد غامضة لجثث تطفو علي سطح بحيرة ثم ينتقل المشهد إلي المدينة حيث يستقبل توماس كريفن «ميل جيبسون» ابنته «ايما» العائدة بعد غيبة ويبدو عليها الإرهاق والمرض، وبعد وصولهما بدقائق للمنزل يحاول الأب أن يذهب بابنته إلي المستشفي لسوء حالتها، لكنه يفاجئ أمام باب منزله بمسلحين يطلقان النار عليهما فتلقي الابنة مصرعها علي الفور. هذه الأحداث السريعة المتلاحقة في الدقائق الأولي من بداية الفيلم تضع المشاهد في قمة الترقب، فجيبسون محقق شرطة والحادث يبدو انتقام من إحدي ضحاياه الذين أدخلهم السجن، وتبدأ التحقيقات علي هذا الأساس، لكن الأحداث تأخذ منعطفات أخري حينما ينكشف للأب أن ابنته قتلت عمداً لأنها عرفت أسراراً لم يكن يفترض أن تعرفها عن نشاط الشركة التي كانت تعمل فيها، وهي إحدي الشركات العسكرية الخاصة التي تقوم سراً بتطوير مشروعها الخاص لصنع قنابل نووية وبيعها لدول أجنبية، وهذه الحقيقة المرعبة تضع الشرطي الأب في مواجهة وحش ضخم ومخيف، ويجعله أيضاً في مواجهة مؤامرة بها كثير من التفاصيل وتتورط فيها أسماء كثيرة حكومية، حبكة الفيلم هي أضعف ما فيه، أولاً لأنها غير منطقية علي الإطلاق، فمن غير المتصور أن تقوم شركة خاصة أمريكية بتصنيع سلاح نووي ثم تسلمه إلي إرهابيين من أجل المال أو من أجل أي شيء آخر.. هذه فكرة لا يمكن تصديقها وبالتالي جزء كبير من تفاصيل الفيلم سارت في اتجاه مشوش، الأمر الثاني أن الفيلم لم يكن في نصفه الثاني سلساً علي الإطلاق. تسلسل المشاهد والأحداث لم يكن ناعماً أو متناسقاً. «ميل جيبسون» يبدأ في مطاردة شخصية ثم ينتقل المشهد إلي المحكمة ثم إلي لقاء مع شخصية في الطريق العام وغيرها من المشاهد غير المترابطة التي جعلت الفيلم في منطقة ما مشوشاً. الفيلم ليس سياسياً بالمعني المباشر للفيلم السياسي، فهو أقرب لأفلام الأكشن التي تعتمد علي تيمة الانتقام الشخصي، ورغم هذا فإن المخرج «مارتن كامبل» لا يبدو مخلصاً تماما لهذا الإطار، فهو يفقد إيقاع الفيلم في كثير من مشاهده معتمداً علي صفع المشاهد بين فترة وأخري بحادث يصيب إحدي الشخصيات في لحظة غير متوقعة، ولكامبل تاريخ من دراما الأكشن لعل أهمها في الجزءين الأول والثاني من سلسلة أفلام «زورو» التي جسدها «أنطونيو بانديراس» بالإضافة إلي فيلم «كازينو رويال» أول أفلام «دانيال جريج» مجسداً شخصية جيمس بوند، وفي فيلمه مع العائد بعد سنوات من التوقف عن التمثيل «ميل جيبسون» نجد خليطا من الأكشن والإثارة والميلودراما.. نجح «ميل جيبسون» في تقديم دور الشرطي دون أن يسقط في فخ الأداء التقليدي، وجمع بين مشاعر الأب الذي فجع في ابنته، والمحقق الذي يبحث عن الحقيقة، ويجد نفسه في لحظة علي استعداد للاستمرار حتي النهاية لكشفها حتي لو أدي ذلك إلي أن يواجه مؤسسة شريرة لا تتورع عن القتل والتخلص من خصومها بكل الطرق.