تمدد وتمطع قانون الطوارئ للمرة الثامنة والعشرين تصاحبه ذات النغمة القبيحة المهترئة التي تزعم الحفاظ علي أمن الوطن من المخاطر التي تحيط به، وتؤكد أنه لن يُستخدم إلا فيما يهدد أمن الوطن أو علي حد السخف الذي صرح به أحد قيادات الشرطة في برنامج «العاشرة مساء» بأن 99% من الشرفاء في مصر لم يُطبق عليهم قانون الطوارئ (يقصد طبعًا شرفاء الحزب الوطني مثل ممدوح إسماعيل صاحب عبارة الموت غرقًا وكمدًا وإذلالاً، وكل الذين تاجروا بأقوات المصريين من الأغذية المسرطنة حتي الموت في طابور العيش وصولاً إلي اللهو الخفي الذي حصل علي رشوة من شركة مرسيدس)، وبالتالي فغير الشرفاء وفقًا لنظرته الأمنية الثاقبة هم صغار الشباب والصحفيون والكتاب والناشطون ممن تعرضوا للخطف والتعذيب في أقسام الشرطة ومشاهد الاعتداء الجنسي التي أصبحت معتادة علي الفيس بوك ورسائل الموبايلات، ناهيك عن عشرات الأحكام النهائية التي قضت بالإفراج عن معارضين وامتنعت السلطات المختصة عن تنفيذها جراء ما ارتكبوه في حق الوطن - أقصد وطنهم - بالتظاهر السلمي والمشاركة في الحركات الاحتجاجية مطالبين بالتغيير مما يعكر صفو استقرارهم ومستقرهم، فقد حد قانون الطوارئ من انتشارهم وحمي الطبقة المتحكمة من شرورهم، إلي آخر كل هذا الزيف والزور الذي نسمعه ونشاهده كل يوم، ومع هذا أستعيد حالة الدهشة وقد ظننت أني شفيت منها حينما أجد هناك من لايزال ينتظر علي باب الحزب الحاكم كي يُمنح بعضًا من الانفراج وفتاتًا من فك القيود والمحاذير، ليطنطن للخطوة الإيجابية وبأننا سنخطي العتبة قريبًا ويا مسهل، أعترف بأن هذا المنطق المضلل (بكسر الضاد) والمضلل (بفتح الضاد) قد جعل مساحة الارتياب بداخلي تتسع بصورة خطيرة تستوعب كل الأطراف والأضداد!!، ظهر ذلك بوضوح في الوقفة الاحتجاجية الأخيرة التي دعا إليها نواب المعارضة في البرلمان علي أن تعقبها مسيرة سلمية إلي مجلس الشعب لتقديم عريضة تطالب بإلغاء قانون الطوارئ، ثم تراجعوا عن المسيرة بحكم الحصار الأمني المكثف كالعادة واكتفوا بإلقاء البيانات أمام الفضائيات ووكالات الأنباء، وبغض النظر عن النقد الذي وجه لأداء النواب في هذه الوقفة، إلا أنها كانت صورة حية تترجم بوضوح أزمة المعارضة في عدم قدرتها علي التنظيم والإجماع علي حد من المطالب الرئيسة التي لا يختلف عليها أي مواطن مهموم بهذا البلد ،تفرعت الهتافات وبدا الجميع في حالة انعدام رضاء عن بعضهم البعض، ولغة التهكم وسخرية كل فريق من الآخر كانت هي اللغة الحاضرة بقوة، المشهد كان يدعو للأسي.. ظللت أحدق في جيوش الأمن المدججة بأدوات البطش بأنواعها، وتساءلت: هل الأمر عسير إلي هذا الحد؟ ماذا لو قدم جميع نواب المعارضة في مجلس الشعب استقالاتهم عقب إقرار مد العمل بقانون الطوارئ؟ ماذا لو توحدت الشعارات في مطلب واحد وهو المطالبة بسقوط نظام مبارك الذي حكم واحتمي به؟ لماذا لا تقاطع أحزاب المعارضة جميعا الانتخابات القادمة سواء البرلمانية أم الرئاسية؟ ألن تكون خطوات كهذه بداية حقيقية وجادة لعصيان مدني؟ لقد طور النظام من ردود أفعاله تجاه معارضيه فلم يعد يهتز أو يخجل من أساليب نصبه واحتياله علي الناس، ولم يعد يكترث بردود الأفعال المحلية ولا حتي العالمية التي تعرب عن خيبة أملها في أي إصلاح يمكن أن يتحقق في مصر مع استمرار حالة الطوارئ ورفض النظام وتجاهله كل الدعوات والمطالبات بتغيير الدستور بمنطق «يا روح ما بعدك روح»، مستعينًا بالجوقة المحيطة به والجاهزة علي أهبة الاستعداد من كتاب وصحفيين وقانونيين ودعاة وبعض من المعارضين من تلك النوعية التي لا تقوي علي الخروج الكامل من بيت الحكومة، فتحرص علي البقاء ولو في غرفة تحت السلم أو فوق السطوح كي يشملها جانب من العطف والحظوة لا تستطيع الاستغناء عنه ،وهم بالمناسبة أشد خطرًا علي المجتمع من النظام نفسه، نجح النظام بجدارة أن يدخل الجميع تحت مظلة نظرية المؤامرة وعلينا أن نبذل جهدًا مضنيًا أمام أزمة المعارضة وحيرة المعارضين كي نخرج الغث من السمين ونفرز الصالح من الطالح، وفي ظل هذه الأجواء تبدو الرؤية الواضحة غائمة وملتبسة، أتصور أنه لا سبيل سوي أن يدرك الجميع في هذه الأيام الصعبة وفي ظل حالة الفوضي التي تزحف بقوة علي كل مناحي الحياة في مصرنا المأزومة أنه قد حان الوقت كي ندفع ضريبة الحرية وأن نجابه العواقب ونتحمل مسئوليتها، أشياء سنفقدها وأشياء أكثر ستعود إلينا مثلما واجهت الشعوب الأخري، خبرات أمن النظام عريقة في التعامل مع مثيري القلق له وخبرة هذا الشعب أكثر في الاحتمال والصبر، وصبره حين ينفد لا يكون جميلاً بالمرة، الحاجة ماسة إذن وملحة كي تتوحد الصفوف لننقذ سفينة وطن أرهقه السير في المياه الراكدة وآن له أن يجد شاطئه، وفي دعوة العصيان المدني وفك الرباط كما قال عمنا المبدع عبد الرحمن الأبنودي «بين شعبين ساكنين الأرض وتقيل دمنا علي بعض»! هو البداية، فهل نحن مستعدون؟