البدايات لا تشي بالنهايات والمقدمات لا تحدد النتائج.. هذه هي قناعتي في عالم المهرجانات علي عكس- بالطبع- ما يجري عادة في قانون الحياة لأن البداية هي بالضبط التي ترسم طريق النهاية المحتوم لكن للسينما رأياً آخر. شاهدت فيلم الافتتاح «روبن هود» للمخرج ريدلي سكوت وبطولة راسل كرو وكيت بلانشيت وبعد ذلك شاهدت أول أفلام المسابقة الرسمية في المهرجان «جولة» للمخرج الفرنسي ماثيو أمارليك الذي شارك في كتابة السيناريو ولعب بطولة الفيلم ومع الأسف سواء فيلم الافتتاح أو أول الأفلام فإن الحصيلة أكدت أن المتوقع كان أقل بكثير من الواقع ولم يكن هذا هو رأيي أنا فقط ولكن ردود الفعل التي أعقبت العرض ساهمت في تأكيد ذلك.. فيلم «روبن هود» قوبل بصمت من الجمهور.. في عرض النقاد والصحفيين لم نستمع إلي صوت استهجان ولكن صمت رهيب وكان الجمهور قد وقف في مرحلة متوسطة لا يستطيع التصفيق ولا يستطيع أيضاً التصفير. أما في الثاني فإن الجمهور ضحك استهجاناً وأغلب الحضور كانوا من الفرنسيين أو الفرانكوفيين أي ناطقي الفرنسية.. «روبن هود» في الذاكرة العالمية هو لص الفقراء الشرفاء الرجل الوسيم ابن البلد الفهلوي بالمعني المصري الذي يأخذ أموال الأثرياء ليمنحها للفقراء فهو حبيب الشعب لأنه يطبق القانون الخاص الذي يوفر الحماية للأغلبية حتي ولو اخترق قانون الدولة ولهذا وقع في حب العامة لأنه يتولي بالنيابة عنهم تحقيق العدالة الاجتماعية.. المخرج ريدلي سكوت استعان برؤية جديدة للسيناريو تمنح بُعداً سياسياً للأحداث، حيث استعان بالكاتب فراين هيجلان لتقديم وجهة النظر المختلفة لتلك الرواية التي صاغها إيثان ريف وسيراس فوريس.. يؤدي الدور الرئيسي بالطبع راسل كرو النجم المفضل لريدلي سكوت، واعتمد المخرج علي ملامحه التي تجمع ما بين القوة والصرامة وأيضاًِ القدرة علي زرع التعاطف لدي الجمهور وهو يتابع علاقة «كرو» مع كيت بلانشيت.. قام ريدلي سكوت بتغيير وصل إلي درجة تزييف روبن هود الذي يحتل جزءاً من الذاكرة الجماعية للشعوب وليس فقط بالطبع الإنجليزي، ولكن ظهر لروبن هود عشرات من الشخصيات بمثابة تفريعات علي نفس التيمة وكأنه وجه آخر لجحا الذي تسند له كل دولة عشرات بل مئات من النكت ولم يذكر التاريخ أبداً أن هناك جحا قد ظهر علي الأرض من قبل وهكذا شاهدنا لدينا تلك الشخصية التي جمعت في بعضها ملامح أدهم الشرقاوي.. روبن هود يحاول في هذا الفيلم أن يقف وراء «الملك ريتشارد» بعد مقتله وذلك من أجل وريثه بينما البارونات الإنجليز- حيث تجري الأحداث في القرن الثاني عشر- يعلنون الثورة ضد هذا الوريث ويصبح علي الحاكم أن يواجه ثورتين واحدة داخلية والثانية جاءت من الجارة الفرنسية التي أيضاً لم تعترف بالملك الجديد.. خفت في هذه الأحداث الإحساس بخفة الظل التي كانت هي الطابع المميز لكل المعالجات السابقة وكانت تجعلنا نغفر للبطل كل أخطائه لأن أبطالنا أيضاً يشاركون في نجاحهم وفي توزيع الغنائم علينا وليس فقط عليهم.. وضح من خلال السياق السينمائي في تلك الهارمونية التي جمعت بين راسل وكيت بلانشيت قدر من الكيميائية اتضحت بقوة علي الشاشة وأسفرت بالتأكيد عن تحقيق المصداقية للنجمين.. المخرج كان يضفي علي الفيلم طابعاً تاريخياً من خلال ثراء الملابس، وأقصد بهذا التعبير الفخامة وعلي الجانب الآخر كان يخفت هذا الحس الجماهيري الشعبي بسبب تلك الأجواء السياسية التي اتكأ عليها ريدلي سكوت.. وتبقي في الذاكرة صورة روبن هود والتي لن تستطيع أن تمحوها أعمال فنية حاولت الخروج عن الإطار التاريخي والمعني الفكري الذي يعتبر الخروج عن القانون هو أول الطريق للدخول إلي قلوب الناس.. ونترقب عرض أكثر من فيلم يثير حالياً ضجة في العالم وخاصة إيطاليا وهو فيلم «دراكولا» والمقصود بهذا الاسم هو بيرلسكوني- رئيس الوزراء الإيطالي- والذي أعلن غضبه من المهرجان ولكن الفيلم الذي أخرجته الإيطالية تسابينا جورانتي أخذ طريقه للعرض، وأنت تقرأ هذه السطور سيكون بالفعل قد تم عرضه. كما أن المخرج الإيطالي الشهير ماركو بيلوشي سيلقي محاضرة عن السينما والتي يصفها قائلاً: إنك عندما تشاهد السينما يبقي أن تترك نفسك تتعايش كاملاً علي الشاشة وكأنك تعيش في حالة حب.. ويضيف: لا ينبغي للمخرج أن يشرح كل شيء والجزء الثاني الذي لم يذكره ماركو هو أنك كمتفرج تضيف الكثير للفيلم.. وحتي الآن في بداية القطفة الأولي لأفلام المهرجان لم نعثر علي شيء من هذا القبيل ولم نصدق شيئاً وفي انتظار الغد.