إذا استطاع الفيلم الكوميدي إضحاك المشاهد والترفيه عنه دون أن يفقد عناصر السينما أو يتحول إلي نكات مصورة بكاميرا فهو بالتأكيد حقق المرجو منه، وفيلم «Date Night » من الأفلام القليلة الأخيرة التي صنفت كفيلم كوميدي، واتضح أنه بالفعل كوميدي بل ومضحك أيضاً، وربما يكون سبب المفاجأة أن هناك حالة مرضية أصابت فن الكوميديا في السينما الأمريكية مؤخراً، وهي انتقال أعراض كوميديا السيت كوم اليها، وهي حالة تجعل السيناريست يحاول إضحاك الجمهور أو زغزغته بأي كلام يكتبه، في حين تبقي الصورة وهي العمود الفقري لهيكل الفيلم السينمائي مهمشة إلي حد كبير، كوميديا مبنية علي الحوار المضحك فقط، وهذا الأسلوب يفشل غالباً في السينما لانه لا يبني الكوميديا علي أساس أنها عمل درامي، وليست مجموعة قفشات ونكات تضحك الجمهور قليلاً، ومهما كانت خفة ظل الممثل أو السيناريست تظل الصورة والأداء والموسيقي التصويرية والإضاءة والمونتاج كلها عناصر تشارك في صنع الكوميديا، بالإضافة إلي الحوار المنطوق، وفي فيلم «Date Night» لا نري هذه الرغبة المفتعلة في الإضحاك رغم اعتماد الفيلم بصورة كبيرة علي إضحاك المتفرج وبمواقف جنونية وكوميديا صارخة، وفي الفيلم تبدو خفة الظل والتلقائية نابعة من التوفيق في اختيار البطلين اللذين كونا ثنائياً ناجحاً للغاية، بالإضافة إلي سيناريو مرح ومخرج نجح في السيطرة علي كل هذا وتحقيق هدف الفيلم في توصيل كوميديا خالصة للمتفرج بدون تصنع. يقدم الممثل «ستيف كاريل» والممثلة «تينا فاي» دوري الزوجين الناجحين في عملهما وفي تربية أبنائهما فيل وكلير فورستر، وهما رغم هذا النجاح يعانيان من فتور في علاقتهما نتيجة استنزاف العمل والأبناء لوقتهما واهتمامهما، هذا الروتين اليومي لالتزامات العمل وتربية الأبناء يدفع علاقتهما العاطفية إلي حالة من الملل وتتحول حياتهما العاطفية إلي واجبات روتينية بلا مشاعر أو رغبة حقيقية، ويدفعهما انفصال زوجين صديقين لهما في التفكير في إنقاذ علاقتهما بالبدء في اللقاء معاً بعيداً عن أجواء العمل والمنزل، بل بعيداً عن شوارع مدينتهما الهادئة نوعاً ما نيوجيرسي، ولهذا يذهبان في لقاء غرامي بأحد المطاعم في مدينة نيويورك التي تبعد عن مدينتهما الصغيرة الهادئة حوالي ساعة، ولأنهما ليسا من أهل المدينة ولأن الزوج قد أخذه الحماس لهذه الليلة الاستثنائية فهما يقرران اختلاس حجز شخصين آخرين لانهما لم يجدا مكاناً في المكان الفاخر الذي رغبا في الجلوس فيه معاً، ويتسبب هذا القرار المفاجيء والعشوائي في مشكلة لم يتوقعاها علي الإطلاق، وهي عصابة تطارد الشخصين الآخرين الهاربين من بطش مسئول كبير حصلا علي صور له في أوضاع مخلة، ولأن أفراد العصابة التي تحمي هذا المسئول لا تعرف شكل الشخصين الحقيقيين، ولأن عذر الزوجين في الاستيلاء علي ترابيزة محجوزة لآخرين ليس مقنعاً تتحول ليلة الزوجين الغرامية إلي مطاردة ومغامرة يحاولان فيها البقاء فقط علي قيد الحياة خاصة حينما يكتشفان أن من يطاردهما اثنان من رجال الشرطة التي ذهبا إليها طلباً للحماية. بالطبع فساد الشرطة وبعض كبار المسئولين المحليين ليس هو الموضوع الرئيسي للفيلم الكوميدي، وإنما هو جزء من صعوبة الحبكة التي جعلت من شخصين يستبدلان ملل حياتهما الزوجية بإثارة ومغامرة غير متوقعة يمكن أن تودي بحياتهما في أي لحظة، وذلك بعد أن وضعهما السيناريو في المكان والوقت غير المناسبين، وهو الوضع الذي يخلق كثيرًا من المواقف الكوميدية الضاحكة، يضاف إلي ذلك أن السيناريو بالغ في كاريكاتورية الشخصيات مما جعل تصرفاتها تحمل مبالغة قد لا تصدق بمقاييس الواقع، ولكنها مضحكة في سياق الفيلم الكوميدي، البطلان يتعرضان لشتي أنواع المطاردات والضرب وتصادم السيارات والسقوط ولكنهما يخرجان سالمان إلا من تمزق ملابسهما وبعض الخدوش البسيطة ليكملان الجري والهرب، وهذا النوع من الحبكات الكوميدية قديم قدم السينما الكوميدية ولكنه ينجح دائماً، وفي السينما المصرية سنجد فيلما مثل «عفريت مراتي» لشادية وصلاح ذو الفقار به كثير من ملامح فيلم «ستيف كاريل» و«تينا فاي» مع اختلاف الزمن والثقافة والتفاصيل، يجمعهما فكرة الفتور الزوجي والمغامرة المثيرة التي تحرك حياة الزوجين الراكدة. يقف وراء العمل المخرج «شون ليفي» مخرج عدد من أفلام الكوميديا المعروفة مثل فيلم «ليلة في المتحف»«Night at the Museum » للممثل «بن ستيلر» بجزئيه وفيلم «Cheaper by the Dozen» للكوميديان «ستيف مارتن»، ونحن لسنا أمام مخرج عظيم، ولكنه مخرج متميز فيما يقدمه من سينما كوميدية بسيطة ومرحة دون ابتذال، التصوير والمونتاج حافظا علي روح الفيلم المرحة والكوميدية ولهذا كان تتابع مشاهد الفيلم يتم بسلاسة ورشاقة ودون تعثر أو بطء في إيقاع المشاهد. أضاف وجود نجوم كبار في أدوار صغيرة قدرًا من الدهشة والإثارة، قدم «مارك والبرج» دور الخبير الأمني الذي يستعين به الزوجان للخروج من مأزقهما، إنه شخص يشبه جيمس بوند معاصر، أيضاً «راي ليوتا» يقدم دور الشرير، بالإضافة إلي شخصيتي الزوجين أصحاب حجز المطعم الحقيقيين «جيمس فرانكو» و«ميلا كونيس». يقدم الفيلم جرعة كوميدية صارخة مخلصة لفن السينما ومثيرة لضحكات حقيقية.