أنهيت عمود أمس بالسؤال :ماذا فعل عبد المنعم أبوالفتوح وعصام العريان ومحمد حبيب في صدمة جماعة الإخوان الأخيرة؟ أبوالفتوح تعامل بالتعالي المتاح لمكانته كشخصية جذابة داخل الجماعة وخارجها. قال إنه لم يدخل الانتخابات وانسحب منها. ولم يعلق علي النتيجة. اكتفي بموقع الكاريزما المبعدة عن الواجهة. ولهذا الموقع سحر خاص لدي العواطف الشابة لكن تأثيره تنظيميًا أقل مما كان متوقعًا. عصام العريان الطرف الآخر في فريق تحديث الجماعة اختار أسلوبًا مختلفًا وأعاد اندماجه مع النواة الصلبة وصف الاندماج بأنه «صفقة مع محمود عزت» وبأنه تعبير عن ذكاء مشترك جمع بين رغبة الحرس الخاص في استعادة الجماعة بالكامل.. وبين واجهة حديثة بدون جمهور تقريبًا ( عصام العريان).. أي أن النواة الصلبة أرادت أن يدخلها التجديد بدون قوته المضطربة في نموها... وهذا علي مايبدو ليس من صنع محمود عزت الأمين العام لمكتب الإرشاد بل أقرب إلي عقل خيرت الشاطر العقل المحترف في نسج الخيوط المتناقضة. الشاطر ( النائب الأول للمرشد ) أكد حضوره الفعال رغم إقامته في الزنزانة. وتعامل مثل الأمير الغائب الذي لا تضيع فرصته أو مساحته لأنه رهن الاعتقال... وهذا ما أزعج محمد حبيب النائب الثاني.. الذي أطيح به من مكتب الإرشاد.. فغادر القاهرة إلي مقر إقامته القديم في أسيوط ( الصعيد ).. ومن هناك أصدر بيانا «إلي الإخوان في مصر والعالم»، وجهه إلي «جميع أفراد جماعة الإخوان المسلمين علي مستوي مصر وأقطار العالم لإبراء ذمته أمام الله ثم أمام جميع المخالفات التي شابت الانتخابات التي أجرتها الجماعة الأم في مصر». البيان حمل تهديدا واضحا بالاستقالة وكان واضحا في إعلان الخصومة مع تركيبة مكتب الإرشاد الجديدة. التركيبة أتت بانتخابات معلنة تقريبًا وفق النظام التقليدي في الجماعة ( يشبه انتخابات المكاتب السياسية في كل الأحزاب الشمولية التي تعلو فيها السيطرة علي التنظيم علي كل القيم الأخري). الانتخابات وُصفت من خارج الجماعة بأنها ديمقراطية ( لأنها أطاحت بأسماء كبيرة) ومن داخل الجماعة تعالي صخب اتهام الانتخابات بالتزوير لصالح مجموعة ضيقة. هذه واحدة من المرات النادرة التي تطفو فيها خلافات الجماعات علي السطح.. وتتحول إلي معارك صحفية... وتليفزيونية ( وصلت إلي الضغط علي محمد حبيب لكي لا يظهر في قناة «الجزيرة» معلقًا علي الانتخابات، وقالت مصادر صحفية إن الضغط تم عبرالتلويح بملفات مالية وسياسية... تتضمن مخالفات.. أو ما شابه). التحليلات سارت إلي إمكانية حدوث انشقاق في الجماعة بعد صدام مكتب الإرشاد وحاول كل طرف الاستقواء بما لديه : حبيب بمكتب الإرشاد العالمي.. وأبوالفتوح بكاريزمته... لكن فريق عزت والشاطر والنواة الصلبة لا يمتلك ملفات فقط علي الجميع كما تقول المصادر الصحفية نفسها.. ولكن يملك خيوط التنظم وخريطة شبكاته السرية القديمة.. ومعها مفاتيح الثروة.. المحرك الفعال في استقرار التنظيم طويل العمر. شقوق لا انشقاق.. هذه أوصاف أقرب إلي ما يحدث في الجماعة. تتسع الشقوق وتضيق حسب حركة الألواح المتصادمة في القمة. التصادم في هذه اللحظات علي اللحم كما يقولون في الأوصاف الشعبية دون عوازل أو صدادات.. فالجماعة تتحرك دون رصيدها المعنوي في معارضة النظام.. خاصة بعد صمتها المريب واستكانتها في مواجهة حملات الاعتقال ثم انسحابها من الحديث حول معركة الرئاسة.. وظهور ما عرف بالصفقة بين النظام والجماعة. هي ليست صفقة.. لكنها قبلة حياة يمنحها جيل مهدي عاكف لكي لا يكون المرشد الأخير... هي عودة إلي العمل تحت الأرض تفاديًا لضربة حاسمة تطيح بالتنظيم.. وهي عادة «إخوانية» في تلقي الضربات بالاختباء وتجنب الصدام المباشر. الدخول في الكهوف مرحلة لن تكون سهلة هذه المرة.. خاصة مع وجود حزب منشق عن الإخوان تحت التأسيس ( الوسط) يستقطب شرائح من المرتاحين لموديل الحزب الإسلامي الحديث أكثر من جماعة الدعوة المسيسة... كما أن النظام قرر السماح بأوسع مساحة من ضرب أفكار الإخوان في مقتل... ولم يكن من الممكن في ظل التفاهم مع الإخوان السماح بفيلم أسامة فوزي الجديد «بالألوان الطبيعية» المتصادم مع نظرة متخلفة تعتبر الفن حراماً.. وتضع الرسم في مواضع الكفر... وفي الوقت نفسه يتم تصوير مسلسل عن حسن البنا من سيناريو وحيد حامد وضد رغبة الجماعة أو العائلة. مرحلة الكهوف لن تكون استراحة محارب كما كانت في الفترات السابقة.. كيف ستكون؟ هذا سؤال الأيام القادمة التي من المفترض أن يُنتخب فيها مرشد جديد، وهناك اتفاق شبه نهائي علي أن يكون هو «محمد رشاد البيومي» أستاذ العلوم المحافظ القريب من الطبيعة الهادئة لا الخشنة التي تميزت بها فترة مهدي عاكف.. وربما هذه أول ملامح الكهوف الجديدة للإخوان.