خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    استشهاد 10 أشخاص وإصابة العشرات في ضربات إسرائيلية على مناطق متفرقة في لبنان    ترحيل ثلاثي الزمالك شلبي ودونجا وعبدالواحد السيد اليوم .. تفاصيل    قبل أيام من الكلاسيكو.. رودريجو يوجه رسالة لجماهير ريال مدريد بعد إصابته    الكومي: فرد الأمن المعتدى عليه بالإمارات «زملكاوي».. والأبيض سيتأثر أمام الأهلي    معلق مباراة برشلونة وبايرن ميونخ في دوري أبطال أوروبا    رياح وأمطار بهذه المناطق.. الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة    بحفل كامل العدد|هاني شاكر يتربع على عرش قلوب محبيه بمهرجان الموسيقى العربية|صور    يسرا تدير الجلسة الحوارية لإسعاد يونس في مهرجان الجونة    «اللي حصل جريمة وكارثة».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على عقوبات الأهلي ضد كهربا    حسام المندوه يكشف سبب تأخر بيان الزمالك بشأن أزمة الثلاثي |تفاصيل    باكستان تؤكد اهتمامها بالانضمام إلى "بريكس"    مصرع شخصين في حادث تصادم سيارة فنطاس فى التجمع    أمن كفر الشيخ يكشف لغز العثور على جثة شاب ملقاه بترعة في بيلا    مصرع طفل أُغلق على جسده باب مصعد كهربائي بكفر الشيخ    بخريطة مزعومة للخزنة الذهبية، إسرائيل تحرض البنانيين على اقتحام المخبأ المالي لحزب الله    بدلا من الذهب.. نقابة المصوغات والمجوهرات تنصح المواطنين بالاستثمار في الفضة    نيللي كريم: لو حد عاوز يشتكي أوبر يكلم مين؟ وجمهورها يقدم لها الحل    دوللي شاهين تطرح برومو أغنية «أنا الحاجة الحلوة».. فيديو    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    بينها عادات سيئة .. هؤلاء الأشخاص أكثر عُرضة لالتهاب الجيوب الأنفية    سعر الذهب اليوم الأربعاء بيع وشراء.. أرقام قياسية ل عيار 21 والجنيه    هل اقتربت الساعة، الخطوط الجوية التركية تلغي جميع رحلاتها من وإلى إيران    الهجوم على إيران.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يعقد اجتماعًا الليلة    إنفوجراف| أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال لقائه مع نظيره الروسي    5 آلاف في الساعة.. التحقيق مع أجنبية متهمة بممارسة الدعارة في القاهرة الجديدة    تشريح جثة طفل عثر عليها ملقاة بالشارع في حلوان    ضبط 5 أطنان دواجن فاسدة داخل مجازر غير مرخصة في بدمياط    نائب الرئاسي الليبي يبحث مع مسؤولة أممية التطورات السياسية في ليبيا    أرباح لوكهيد مارتن خلال الربع الثالث تتجاوز التقديرات    وزير المالية: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الإفريقية في مواجهة التحديات العالمية    أوكرانيا تبحث مع استونيا تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد    بالصور.. هاني فرحات مفأجاة حفل تامر عاشور    الفنانة عبير منير تكشف كواليس تعارفها بالكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة: "عشنا مع بعض 4 سنين"    محافظ البحيرة تعقد ثاني لقاء موسع مع الصحفيين لتسليط الضوء على قضايا ومشاكل المواطنين    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    أدباء وحقوقيون ينتقدون اعتقال الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق    حلوى الدببة الجيلاتينية التى تباع في آلات البيع الألمانية تحتوى على سم الفطر    احذروا الوقوف طويلًا أثناء فترات العمل..يسبب الإصابة بالجلطات    حلواني بدرجة مهندس معماري| ساهر شاب بحراوى يفتتح مشروعه لبيع «الفريسكا»    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    عمر خيرت يعزف أجمل مقطوعاته الموسيقية بحفل جسور الإبداع بين مصر واليابان    القاهرة الإخبارية: 4 غارات إسرائيلية على مناطق برج البراجنة وحارة حريك والليلكي في الضاحية جنوب لبنان    تفاصيل ضبط طالب لقيادته سيارة وأداء حركات استعراضية بالقطامية    شتوتجارت يسقط يوفنتوس بهدف قاتل فى دوري أبطال أوروبا    هل الإيمان بالغيب فطرة إنسانية؟.. أسامة الحديدي يجيب    الكويت تنضم رسميا إلى البروتوكول المعدل لاتفاقية مراكش المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية    انفراجة وإصدار التراخيص الفترة المقبلة.. مقرر لجنة إعداد قانون البناء يكشف التفاصيل    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    ريال مدريد يقلب الطاولة على بروسيا دورتموند بخماسية في البرنابيو    نشرة المرأة والمنوعات: الوقوف لساعات طويلة يصيبك بمرض خطير.. أبرز أسباب مرض داليا مصطفى.. سعر غير متوقع ل فستان ريهام حجاج    أمين الفتوى: تربية الأبناء تحتاج إلى صبر واهتمام.. وعليك بهذا الأمر    جامعة دمنهور تعقد ندوة "انتصارات أكتوبر والهوية الوطنية"    قومي المرأة يهنئ المستشار سناء خليل لتكريمه في احتفالية "الأب القدوة"    وزير الشؤون النيابية: نحن في حاجة لقانون ينظم شؤون اللاجئين بمصر    نواب البرلمان يعددون مكاسب المصريين من التحول للدعم النقدي    هل قول "صدق الله العظيم" بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: الثغرة: جُرح أكتوبر أصبح عمره 40 عاما
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 10 - 2013

خبراء أمريكا هم الذين أشاروا على إسرائيل بالمكان الذى تنفذ الثغرة انطلاقًا منه

سميناها الثغرة وسماها العدو الإسرائيلى عملية المزرعة الصينية هل كان بدء مباحثات الكيلو 101 سببًا فى عدم تصفية الثغرة عسكريًّا؟ أبو غزالة استشهد فى مواجهة الثغرة بعبارة توفيق الحكيم: عبور الهزيمة

حذّر هيكل من حدوث الثغرة فى مقال ب«الأهرام» فهل قرأ السادات ما كتبه؟ وإن لم يكن قرأه.. فهل رآه أحمد إسماعيل؟ وإن لم يكن رآه فهل اطلع رئيس الأركان سعد الشاذلى على ما كتبه هيكل؟

والأن أبو غزالة رجل مدفعية، ولأن الثغرة تمت بقوات برية، لم تنزل من الجو وكان عبور المياه بالنسبة لها جزءا بسيطا من العملية. فكان من الطبيعى أن يخصص محمد عبد الحليم أبو غزالة فى كتابه: وانطلقت المدافع عند الظهر. المدفعية المصرية من خلال حرب رمضان. نصف ما كتبه عن حرب السادس من أكتوبر عن الثغرة. كان كلامه فى النصف الأول من باب القتال عن الحرب التى دارت مكتوبا بلغة الفخار والاستعراض، كأنه يقول: ها نحن نحارب. ولذلك يُكثر من الاستشهادات بما قاله كبار القادة العسكريين. وقادة العدو الصهيونى عن بسالة المقاتل المصرى.

ولكن عندما وصلنا إلى الثغرة فإن ما كتبه أبو غزالة يميل إلى التبرير. وربما الدفاع عن النفس ومحاولة إلقاء المسؤولية على غيرها من الأسلحة. لدرجة أنه يعتبر أن بدء محادثات الكيلو 101 تسببت فى عدم تصفية الثغرة عسكريا. وكانت المرة الأولى التى يتكلم فيها أبو غزالة فى السياسة فى كتابه كله.

كثر الحديث عن الثغرة وشدت انتباه الجميع لأنها كانت الشىء الوحيد الشاذ فى عملية العبور المصرى العظيم. وكان كل مصرى يودّ لو لم تحدث هذه الثغرة إذ كانت فى نظره نقطة حبر صغيرة سقطت سهوا على صفحة بيضاء ناصعة من الانتصار وأخذت الدعاية الإسرائيلية والاستعمارية تحاول -دون جدوى- أن تنفخ فى هذه الثغرة لتكسب بها شيئا، ولكن الحقائق دمغتها وأكدت الانتصار المصرى العظيم. وسأحاول هنا أن ألقى ضوءا من الحقيقة على معركة الثغرة ليعرف كل مواطن عربى مدى ما حققته القوات المسلحة المصرية من انتصار عبر عنه توفيق الحكيم «بعبور الهزيمة».

1- ولقد كانت الأوضاع بالجبهة المصرية كما يلى:

تمكنت القوات المصرية من اقتحام قناة السويس وخط بارليف الحصين خلال ساعات قليلة وتقدمت شرقا إلى عمق حتى 18-20 كم.

2- دفعت القيادة المصرية بمفارذ مدرسة للتطوير شرقا للضغط على القوات الإسرائيلية وإجبارها على سحب أكبر جزء من القوات الموجودة فى مواجهة القوات.

3- كان الرأى السائد فى الأوساط العسكرية العالمية يقول إنه يتحتم على إسرائيل أن تدخل فى معارك بالدبابات لمنع القوات المصرية من الانطلاق تجاه المضايق الحاكمة فى سيناء باعتبارها مفتاح الطريق من وإلى القناة وفلسطين.

4- بدأت طائرات الاستطلاع الأمريكية تتجسس على الجبهة المصرية علها تجد نقطة تصلح للوثوب أو لعمل ما يحفظ لأمريكا ماء وجهها بعد أن تغلب السلاح السوفييتى فى أيدى الرجال المصريين على السلاح الأمريكى فى أيدى الإسرائيليين ويبدو أنهم وجدوا فى نقطة الاتصال بين الجيش الثانى والثالث المصريين ضالتهم خصوصا بعد أن عبرت القوات المدرعة التى تمثل الأنساق الثانية لهذين الجيشين شرقا ولا زالت مشتبكة فى قتال عنيف فى معركة الدبابات الكبرى.

هنا لا بد من وقفة مع أبو غزالة. لأنه لا يذكر أن الأستاذ محمد حسنين هيكل كتب مقالا شهيرا فى «الأهرام» خلال المعركة. أشار فيه للحقيقة التى ينسبها أبو غزالة للأمريكان. قال هيكل وقتها -وأنا أكتب هذا الكلام من الذاكرة- إن نقط التواصل ما بين الجيوش تصبح من أهم نقاط الضعف. ونشر بجوار مقاله رسمًا يوضح فيه موقع الجيش الثانى الميدانى والجيش الثالث الميدانى. ورسم سهما فى المنطقة التى بين الجيشين. وحذر من أن هذه المنطقة الرخوة يمكن أن تستخدم فى عمل ضد الجيش المصرى. لا أدرى إن كان أبو غزالة يعرف ولم يحب أن ينسب الفضل لهيكل وأحب أن ينسبه للأمريكان؟ أم أنه يعرف باعتباره كان فى الجبهة فى ذلك الوقت؟ وربما لم تكن تصل الجرائد للجبهة.

وإن كان أبو غزالة لم يقرأ تحذير هيكل. فقد كان مجرد قائد مدفعية فى الجيش الثانى الميدانى. فإن السؤال هو: هل لم يقرأ السادات هذا التحذير؟ وكانت علاقته بهيكل فى ذلك الوقت «سمنا على عسل». وهل لم يقرأ المشير أحمد إسماعيل قائد الجيش هذا التحذير، خصوصا أنه كان عند هيكل قبل بداية الحرب ليكتب هيكل القرار الاستراتيجى الذى يحدد فيه خطة الحرب والمطلوب منها. وإن كان أحمد إسماعيل لم يقرأ. فهل لم يقرأ سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة -حتى ذلك الوقت- ما كتبه هيكل؟ وكان معروفا عن سعد الشاذلى أنه كان مطلعا وكان كثير القراءة. بل إنه كان يبحث حتى عن الأمثال الشعبية ليطعم بها أوامره العسكرية الصادرة للجيش.

5- كان الجسر الجوى الأمريكى الجبار ينقل مئات الدبابات الحديثة من طراز م-60 إلى العريش حيث يتم تطقيمها وانطلاقها إلى الجبهة.

6- بدأت إسرائيل تستعرض خسائرها من القوات الجوية إذ وصلت إليها طائرات فانتوم بطياريها كما أمدتها جنوب إفريقيا بعدد لا بأس به من طائرات الميراج.

ومن هنا كانت الضربة الإسرائيلية فى هذا الاتجاه مغرية إلى أكبر حد للأسباب الآتية:

1- إن نجاح مثل هذه الضربة وعبور القوات الإسرائيلية غربا مع ما فيه من مخاطر ومع اقتراب موعد وقف إطلاق النار قد يظهر إسرائيل بمظهر من لم يفقد المعركة، وأن تكون فى وضع يمكّنها من المساومة إذا ما أمكنها تثبيت أقدامها فى الثغرة.

2- إن ذلك معنويًّا سوف يحدث آثار كبيرة قد ترفع من معنويات الشعب فى إسرائيل وقد يثبط معنويات الشعب العربى.

3-إن ذلك قد يتيح لها فرصة تدمير جزء من قواعد الصواريخ المتاخمة للقناة وبذلك تتوفر لقواتها الجوية بعض الحركة.

نقطة الضعف

يكتب أبو غزالة عن نقطة الضعف لدى قواتنا فى سيناء للمرة الثانية دون إشارة لهيكل:

-من المعروف استراتيجيا وتعبويا أن أضعف نقط فى أى دفاع هى نقط الاتصال بين القوات. ولذلك يهتم القادة عادة بتأمينها بالقوات وبالنيران وبالمناورة وبالاحتياطيات وما من شك أن القيادة المصرية اهتمت اهتماما بالغا بنقطة الاتصال بين الجيش الثانى والثالث وخططت لتأمينها ضد جميع الاحتمالات، هذا ويمكن لأى رجل عسكرى عادى أن يدرك عمليات العبور بقوات كبيرة، تعتبر أيضا عنصر تأمين إلى جانب أى قوات تتقدم شمالا بمحاذاتها مرتكزة بجانبها الأيسر على هذه البحيرات. كما أن منطقة الدفرزوار تتميز بما يلى:

بها أشجار كبيرة تساعد على الإخفاء.

منطقة مزروعة تصعب فيها الهجمات المضادة.

خلفها منطقة صحراوية تصلح لعمل الدبابات بحرية وكفاءة.

ترتكز فى البحيرات المرة العظمى وبذلك يتحقق لها تأمين من أحد أجنابها، كما أن البحيرات يمكن استخدامها فى أعمال الإبرار البحرى والإمداد.

وعليه يبدو أن المستشارين الأمريكيين أشاروا على إسرائيل باختيار هذه المنطقة لعمل مغامرتهم التليفزيونية بعد أن تأكدت طائرات الاستطلاع الأمريكية من وجود احتمالات نجاح المغامرة جزئيا، كما أن العالم بدأ يتحرك بسرعة لإيقاف القتال فى الشرق الأوسط خوفا من تطور الأمور إلى مواجهة بين العملاقين، وهو أمر محظور على الصعيد الدولى.

ولكى تنجح المغامرة كان على القوات الإسرائيلية أن تفعل ما يلى:

1- تشن هجمات مضادة بكل ما لديها من إمكانيات ضد الجانب الأيمن للجيش الثانى بمهمة زحزحة الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة شمالاً لبضع كيلومترات لتأمين منطقة العبور المختارة من الدفرزوار.

2- توجيه هجمات مضادة أخرى فى قطاعات أخرى لتثبيت القوات المصرية وجذب انتباهها بعيدا عن منطقة الثغرة.

3- القيام بعملية إبرار بحرى فى بورسعيد لجذب انتباه القيادة المصرية إلى بورسعيد بعيدا عن البحيرات وعليه يمكن تصوير فكرة عملية الغزالة.

خفايا خطة العدو

كيف نفذ العدو الإسرائيلى خطته؟ إن الوثائق الدقيقة لمثل هذه العمليات لا تنشر عادة إلا بعد مضى مدة تصل إلى عشر سنوات، ولكن البعض من المحررين العسكريين بما لديهم من وسائل كثيرا ما يتمكنون من الحصول على بعض المعلومات الصحيحة فينشرونها فى كتب بعد أن يضعوا لها ديباجة لإلباسها ثوب التشويق والإثارة. ومن بين الكتب التى صدرت وتحدثت عن الثغرة كتاب -لا يحدد أبو غزالة اسم الكتاب- وربما لم تتم مراجعة كتاب أبو غزالة بعد أن كتبه. لذلك ظلت الجملة ناقصة. يكمل أبو غزالة عن الكتاب الذى لم يذكر عنوانه:

- والذى تحدث فيه ستة محررين من «صانداى تايمز» عن معركة الثغرة من وجهة النظر الإسرائيلية، ولم تخرج الفكرة التى نشروها عما حاولت أن أستنتجه ودونته قبل ذلك بعد أن استقيته من أسلوب التفكير العسكرى الإسرائيلى.

وفى ما يلى مقتطفات مما نشر فى هذا الكتاب عن الثغرة أو ما أطلقوا عليه معركة المزرعية الصينية:

- كانت فكرة شارون تتلخص فى استخدام أحد لواءاته فى جذب انتباه المصريين بعيدا فى الوقت الذى يقوم فيه لواء آخر بالسيطرة على الطريق المتجه جنوبا من الطاسة إلى البحيرة المرة العظمى.

وبكل المقاييس العسكرية المعروفة كانت محاولة شارون إنشاء رأس كوبرى مأساة ومخاطرة. فما أن بدأ هجومه بما يساوى فرقة مدرعة لم يتمكن خلال معركة 16 ساعة إلا من عبور ما لا يزيد على كتيبة مدعمة بعدد من الدبابات المحددة، ولم يكن هناك كوبرى قد أنشئ ونتيجة قصف المدفعية فشل المهندسون عدة مرات فى إنشاء الكوبرى وتأخر إنشاؤه أكثر من 12 ساعة. وإذا نظرنا إلى كمية النيران التى ألقتها المدفعية المصرية على المثلث الطاسة - البحيرات - الإسماعيلية فإن الموقف لم يكن يعطى أى بادرة أمل فى النجاح.

وكما قال الفريق الجمسى: «ورأت القيادة العامة أن الموضوع لا يمكن تركه للقائد المحلى وإنه يجب أن يعالج على مستوى القيادة العامة، وأن الهجوم على دبابات العدو المتسللة بقوات احتياطينا فى الغرب لم يفلح.. الهجمات كانت ضعيفة وقررت القيادة العامة عدم العمل بقوات صغيرة. وصدر الأمر باستخدام لواء بالكامل لتدمير العدو، وتم حشد نيران المدفعية ضد العدو فى منطقة التسلل، وهاجم الطيران ابتداء من الصباح ولكن مقاومتنا لم تنجح لأن دبابات العدو الثلاثين التى تسربت تفرقت فى المنطقة الصحراوية الجبلية فى عدة اتجاهات.. وكانت لها حماية طبيعية.. ولم يكن من السهل تدميرها فى هذه الظروف.. ولقد قاتلت القوات المصرية المهاجمة قتالا باسلا.. واستشهد قائد كتيبة، وقائد لواء وقائد فرقة فى الهجوم الذى تقرر يوم 17 أكتوبر.

وعلى الرغم من نجاح العدو فى تدمير موقعين للصواريخ فقط حتى مساء 16 أكتوبر فإن الموقف لم يكن خطيرا لا يمكن السيطرة عليه. فلقد استمرت المدفعية المصرية طوال ليلة 16-17 أكتوبر تصب حممها على العدو المتسلل لدرجة لم تشهدها أى معارك فى الشرق الأوسط حتى فى الصراع البريطانى الألمانى فى شمال إفريقيا.

شهادة العدو

ويصف كتاب كيبور الموقف يوم الثلاثاء 16 أكتوبر وما بعده فى عدة أماكن، فيقول:

- «وعندما حل يوم الثلاثاء 16 أكتوبر كانت المعركة لا تزال مستمرة، فلقد تعثرت القوة المدرعة الإسرائيلية التى بدأت منذ 48 ساعة تهاجم الموقع ومنيت بخسائر فادحة، وعندئذ تقرر اللجوء إلى وحدات المشاة والمظلّيين للقضاء على الأسلحة المضادة للدبابات». (كيبور)

وبينما كانت مدرعات شارون تعمل على توسع رأس الجسر، كانت فرقة المدرعات برئاسة الجنرال برن تواصل تقدمها نحو نقطة العبور. ولم يكن ذلك رأس جسر وفقا للعبارة التقليدية. وذلك لأن محاور الحركة لم تكن قد ذللت بعد بصورة كاملة.. كما كان المحور الشمالى فى متناول الدبابات المصرية أما المحور الجنوبى فكان يتعرض لقصف مدفعى متصل من جانب المصريين». (كيبور).

«وإذا كان الجزء الأكبر من فرقة برن لم يعبر القناة بسرعة، فهذا يرجع إلى أن المصريين شنوا هجوما مضادا كاد يسحق رأس الجسر الذى أقامته وحدات المظلات على الجانب الآخر». (كيبور) «وبينما كنا نقوم بتركيز قواتنا على الشاطئ الغربى تعرضنا لقصف مدفعى لم نشهد له مثيلا فى حياتنا، فلقد وجه المصريون نحو رأس الجسر قوة النيران التى كانت متاحة لهم فى القطاع». (كيبور).

«وعندما وصلت إلى الجسر أدركت أنها مذبحة، فلقد شاهدت عشرات من رجالنا مبعثرين قتلى». (كيبور).

من هذه العبارات التى وردت متناثرة فى كتاب حرب عيد الغفران (كيبور) يتضح مدى ما تعرض له العدو الإسرائيلى من ضرب خلال إنشائه للجسر. ولقد التقطت 100 محادثة بين القائد الإسرائيلى والقيادة العليا يطلب فيها إلغاء العملية لجسامة الخسائر التى تكبدها، وترد القيادة العليا وترجوه الثبات وتقول له إن مستقبل إسرائيل متوقف على نجاح هذه المغامرة.

ويتابع الفريق الجمسى حديثه -أبو غزالة هو الذى يستشهد بالجمسى فى كتابه وليس أنا- عن الثغرة فيصف الهجوم المضاد الذى تم لتدمير قوات الثغرة والإحاطة بها قائلا:

- «كانت خطة القيادة العامة تتلخص فى حصار الثغرة وحصرها فى أضيق مساحة من الأرض فى الغرب وسرعة تدميرها، وفى الوقت نفسه قفلها من الشرق حتى لا تتدفق قوات العدو. وتقرر أن يهاجم الجيش الثانى جنوبا والجيش الثالث شمالا لسد الثغرة من الشرق وقطع خطوطها وبذلك يقع العدو فى المصيدة».

ويتابع الفريق الجمسى حديثه قائلا: «وتقدمت قوات الجيش الثانى جنوبا وتقدمت قوات الجيش الثالث شمالا وبلغت المسافة بينهما 4 كيلومترات فقط ولكنهما لم يتمكنا من الالتقاء. لقد استمات العدو لتأمين مرور قواته شمالا وجنوبا وكان القتال رهيبا استخدمت فيه كل الأسلحة. وهكذا استطاعت قواته يوم 17 أكتوبر أن تنفذ بأعداد أكثر من الغرب. ولكن القتال الرهيب استمر 17، 18، 19، 20 أكتوبر تكبد خلالها العدو خسائره فى الحرب كلها.

حاول العدو بعد نجاحه فى التسلل غربا أن ينتشر شمالا وجنوبا وخصوصا بعد أن تمكن من إيقاف هجماتنا المضادة، ولكن الجيش الثانى الميدانى نجح فى منعه من الاقتراب من الإسماعيلية وأوقف تقدم العدو الإسرائيلى، وعدل من أوضاع قواته بما يحقق تحديد انتشار العدو وإيقاف تقدمه شمالا وغربا ونجح فى ذلك تماما.

عند ذلك فكر العدو فى الانتشار جنوبا وهنا دفع الجيش الثالث باحتياطياته لإيقاف تقدم العدو وحدثت معارك رائعة فشل فيها العدو فى تطوير هجومه. وفى 22 أكتوبر أعلن وقف إطلاق النار، واستغل العدو هذا الموقف فتسلل ببعض مفارزه المدرعة الصغيرة ووصل إلى طريق القاهرة - السويس وقطع طريق الإمداد والتموين عن قوات بدر (فرقتين من الجيش الثالث الميدانى).

وتمكنت القيادة المصرية من تعديل أوضاع قواتها ودفع احتياطياتها بالشكل الذى أحاط بقوات العدو الإسرائيلى وبدأت تعدّ العدة لتدميرها، ووضعت لذلك خطة أعلن عنها الفريق الجمسى باسم «الخطة شامل».

بعد ذلك بدأت معركة جديدة استمرت حتى توقيع معاهدة الفصل بين القوات، وكانت هذه المعركة استنزافا دمويا للعدو الإسرائيلى الذى أخذ يئن تحت وطأة الضربات النيرانية للمدفعية المصرية والدبابات.

ودخلت السياسة

ومع أن أبو غزالة يتجنب الكلام فى السياسة ويحصر الأمر فى العسكريات فقط. إلا أنه عندما يحاول الخروج من أزمة الثغرة يتكلم فى السياسة:

- وبدأت المحادثات عند الكيلو 101 بهدف إنقاذ الموقف من التدهور فى الشرق الأوسط بوساطة من وزير الخارجية الأمريكى الدكتور كيسنجر. وخلال هذه المفاوضات لم يتوقف القتال. وفى النهاية قبلت إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية وبقاء رؤوس الكبارى المصرية كما هى. وتم فصل القوات. وانتهت مرحلة من مراحل الصراع من أجل تحرير الأرض المغتصبة ومصر منتصرة. وأثبتت القوات المسلحة المصرية أنها قادرة على تلقين العدو الإسرائيلى درسا لن ينساه وانتهت أسطورة أن جيش الدفاع الإسرائيلى جيش لا يقهر.

يبقى لى تعليق لا بد من كتابته. وإن كنت لا أعرف هل من حقى أن أكتبه، وهل من حق الجريدة أن تنشره أم لا؟ لكننى سأكتبه وأمرى لله:

- لماذا لم يتم التحقق والتحقيق فى موضوع الثغرة بشكل عسكرى؟ أى مهنى؟ ولماذا تركت كل هذه السنوات للاجتهادات؟ تائهة وسط مذكرات القادة؟ خصوصا أننا نحن الذين عاصرنا موضوع الثغرة. والبعض منا كان طرفا فيه سنرحل عن هذا العالم ذات يوم. ونترك للأجيال القادمة المزيد من الحيرة فى هذا الموضوع.

لا أعرف ماذا تفعل جيوش العالم عندما تؤكد انتصارها بعد المعارك. هل تسمح بمثل هذه التحقيقات؟ أم أن ذلك يقلل من وهج الانتصار وعظمته؟. وهل يجوز الآن وجيش مصر لا يوجد فيه ضابط واحد من الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، هل يجوز لمثل هذا الجيش أن يجرى تحقيقا عسكريا فى موضوع الثغرة؟ بدلا من أن تُرحَّل القضية كلها وتوضع فوق أرفف التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.