«من موقع النصب التذكارى لشهداء الجيش الثانى الميدانى، من النقطة التى قام أول جندى عبر القناة برفع العلم المصرى عليها فى السادس من أكتوبر أوجِّه التحية والعِرفان لأرواح شهدائنا من أغلى وأطهر بقاع مصرنا الحبيبة»، هكذا اختار أن يبدأ حديثه بعد أن تلا الآية الكريمة: «ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون» من حيث يؤمن تماما بأن المجد نعمة من الله يمنحها لمن يعمل من أجل وجهه الكريم ويتحقق بتضحيات الرجال جنودا وضباطا ولا يصنعه القادة وحدهم، قالها فى أكثر من موضع فى حوار استمر نحو سبعين دقيقة كان مخططا أن يكون للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر، ثم تحول إلى مكاشفة صارخة للعبور الجديد الذى تعيشه مصر كلها اليوم مع جيشها على قلب رجل واحد يرى مصر وحدها الحقيقة دون سواها. أمام شاطئ القناة والسفن تنساب من خلفه لتمر أمامه تحدث قائد الجيش الثانى الميدانى اللواء أ.ح. أحمد وصفى عن محافظات الجيش الثانى، إذا شئنا أن نصفها كذلك، التى تضم ست محافظات: بورسعيد والإسماعيلية والشرقية والدقهلية ودمياط وشمال سيناء، فالرجل عاش 35 عاما هى كل حياته العسكرية فيها منذ تخرج فى الكلية الحربية فى 1979 وتدرج من ملازم صغير إلى لواء فى الجيش الثانى الميدانى ثم قائد له.
اختار أن يبدأ من بورسعيد ليستعرض ما سماه «واجبات» وليس إنجازات الجيش الثانى، فالنتيجة تبقى نسبية كما يقول: «دخلنا بورسعيد بعد المحاكمة والعنف الذى اندلع فى 26 يناير وجدناها حمام دم ومن قتل فى الأحداث أكثر من ضعف من حكم عليهم بالإعدام، والقتل يقع بشكل غريب! ويتوقف لحظة» أخدم بالجيش الثانى من 35 عاما وأعرف كل أهالى محافظات الجيش، حافظهم وحافظ البحر، أهالى بورسعيد جدعان كبيرهم يتنرفزوا بكلمتين لكنى فوجئت بأن الناس بتقتل بعض بدموية وأشياء غريبة تستوقفنى ماذا كان يحدث؟ ومن يفعل ذلك بالمدينة؟ وعندما أنظر لما حققه رجال الجيش الثانى فى بورسعيد لا أستطيع إلا أن أقول إن ربنا وفقنا لأننا نعمل لوجهه فقط وليس لنجمة أو قرش زيادة، ويكفينى فخرًا لو نعتبره نجاحا أن بورسعيد من المحافظات التى لم يفرض عليها حظر التجوال، الفضل لله ثم لأهلها».
ومع ذلك لا ينفى وصفى وجود بؤر للخارجين على القانون لا يحب وصفها بالإجرامية، بل بغير المنضبطة التى يتم تطهيرها حاليا بالتعاون مع الشرطة ويقول: «بورسعيد رجعت بتاعت زمان بس ناقصها التجارة تشتغل لأن 90 ٪من أهلها يعملون بالتجارة».
وباستثناء بعض البؤر غير المنضبطة فالوضع فى دمياط والدقهلية يعد هادئا لحد كبير، لكن ما يحدث فى الشرقية والإسماعيلية من استهداف جنود الشرطة والجيش لا يجد له قائدُ الجيش الثانى وصفًَا سوى الخسة والدناءة والجبن التى يقوم أصحابها بإطلاق دفعات طلقات على ضباط وجنود ويتم التعامل معها بالتنسيق مع مديرى الأمن فى المحافظتين.
ويلفت اللواء وصفى إلى أن كل من قُبض عليهم أحيلوا إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، فباستثناء الاعتداء على وحدة عسكرية أو جنود لا تتم الإحالة إلى النيابة العسكرية وفقًا للقانون.
عندما وصل الحديث إلى شمال سيناء وضع قائد الجيش الثانى الكاب على المنضدة أمامه لينطلق فى مكاشفة غير متوقعة، لكنها محمودة: «منذ الخامس من يوليو فى الساعة العاشرة صباحا وأنا هناك، أى باقى يومان ليكتملوا ثلاثة أشهر، بالحسابات العسكرية القائد العام يحاسبنى إذا لم أصل بقواتى من العريش إلى خط الحدود فى رفح من6-8 ساعات، إذن لماذا تأخرنا؟ تسألون طبعًا، لأن هذا معناه أشيل الأخضر واليابس، وكل ما هو كائن حى ستتم إبادته! تأخرنا لأننا حريصون على أن لا يموت حتى حيوان، لا إنسان برىء فقط بطلقة فى المواجهات مع الإرهاب».
وما الدليل فى مواجهة اتهامات بقتل النساء والأطفال وهدم المساجد؟ يسأل اللواء وصفى ويجيب: «لغموا دراجتين بخاريتين بجوار جامع رفح ليقتلوا جنود القوة فى كمين الماسورة وتهدم المسجد، وبعد الاطمئنان على أبنائى أمرت بإصلاح المسجد وتم بالفعل فى ثلاثة أيام فقط الإرهابيون فجروا المسجد ونحن أعدنا بناءه».
وواصل اللواء وصفى حديثه عمن وصفهم بإخوتنا الذين مات بسببهم 120 ألف شهيد فى حروب من أجلهم: «من ثلاثة أشهر تم رصد سيارة بها ثلاثة من إخوتنا ومعهم عناصر مصرية وعندما تيقنوا أنهم تحت سيطرة الطيران احتموا داخل إحدى العشش وأخرجوا منها سيدة وأربعة أطفال أوقفوهم أمام العشة ليمنعوا قصفها لأنهم متأكدون أننا نحرص على أرواح الأبرياء، وفعلا لم يتمكن الطيار من مهاجمتهم لكنهم وقعوا لاحقا».
وانطلق قائد الجيش الثانى يعدد الوقائع: «سأقول لمن يطنطن بالأكاذيب: هل تود أن نعلن أسماء 32 جثة تسلموها؟! وهل نعلن فى أى المستشفيات يعالَج المصابون عندهم؟ ولماذا تتصل عناصر القيادة عندكم بعناصر عندنا؟ يواصل بدون توقف: أتمنى أن يعقلوا ويصلحوا البوصلة التى من الواضح أن بها خللا فى ربع دائرة فأصبحوا لا يستطيعون تحديد اتجاه الشمال من الغرب ولا يعرفون أين أرضهم وأين الناس التى يجب التعامل معها بالأصول».
ونفى قائد الجيش الثانى أن يكون أهل سيناء يتعاونون مع الإرهابيين وتمسك بأن ما يتحقق من نجاحات فى العملية الدائرة حاليا لم يكن ليتحقق بدون تعاونهم وتفهمهم قائلا: «العلاقة بين القوات المسلحة والجيش الثانى وأهل سيناء علاقة لها قدسيتها، يتعاونون مع الجهود الأمنية ونعذر من لا يستطيع التعاون ولا يجب أن نظلمه لأنه خائف أو مكره، وانظروا ماذا يفعلون بهم، يقتلون مشايخ القبائل على أبواب الجوامع عند صلاة الفجر، ويرددون قال الله وقال الرسول!».
وأضاف وصفى: «هذه حرب غير شريفة حرب جيش ضد خفافيش، لأن حروب الجيش ضد جيش تجرى وفقا لمحددات وأسس، ومن أغرب ما تعلمناه على مدى عام أن مساجد التكفيريين فى رفح تؤذن للمغرب قبل موعده بساعة فى رمضان، لأنهم يخرجون للجهاد بقتل الجنود الصائمين وقت الإفطار».
«القوات دخلت مناطق لم تدخلها منذ 17 عاما، وكان بعض الجيران يعيِّرُنا بأن ثمة مناطق خارج سيطرة المصريين ليس على خط الحدود فقط، بل على الساحل أيضا، الآن كل شبر فى سيناء مصرى صرف ولا توجد نقطة خارج السيطرة أو السيادة المصرية «ثم أردف» انسوا خلاص أى كلام كنتم تسمعونه من قبل».
وأشار وصفى إلى أن التحقيقات فى مذبحة رفح سيتم إعلانها بواسطة المحققين، مشيرا أيضا إلى سقوط خاطفى الجنود السبعة بعد تحرير الجنود سالمين، ووجه سؤالا: «هل منكم أُمّ لديها ابن فى العشرين أو الخامسة عشرة؟»، فأجبته: «لدىّ ابنة»، فسألنى مرة أخرى: «إذا لا قدر الله تعرضَت ابنتك للخطف ونجحتِ فى تحريرها سالمة أفضل أم آتِى بها جثة مع جثث الخاطفين؟»، وقبل الإجابة أردف: «وبرضه جبت الخاطفين».
ومرة أخرى يؤكد قائد الجيش الثانى أن «العملية الرئيسية تمَّت بنجاح بفضل الله الذى أكرمنا فيها كرما ما بعده كرم»، مشيرا إلى تواصل عمليات هدم الأنفاق التى حوَّلت منطقة الحدود مع غزة إلى شبكة من الجحور المخلخلة.
«الأنفاق بدأت فى 1993 بنفق أو اثنين وكلما هدمنا واحدا يظهر آخر، لكن مؤخرا أصبحت الأنفاق نشاطا صناعيا وتجاريا وتشيَّد على أعماق وصلت 12 مترا، بينما كل دولة من حقها إنشاء منطقة نظيفة على حدودها تكون الرؤية فيها بلا عوائق لتأمين حدودها.. أصبحت الحدود غابة من العشش التى ليست إلا مخارج للأنفاق، لتهريب كل شىء من السلاح والوقود المدعم إلى الدجاج والأسماك، التى ضبطناها مؤخرا، وعندما سألنا أحد المهرِّبين المقبوض عليهم بالأنفاق قال إنهم يبيعون الكيلوجرام بثلاثين جنيها لأهلهم هناك.. حتى المتاجرة بأقوات الغلابة!».
وأشار قائد الجيش الثانى إلى تدمير بيَّارات تحوى آلاف الأطنان من السولار والبنزين، حيث يربح كل لتر سولار ثلاثة جنيهات فوق سعره، ويربح لتر البنزين سبعة جنيهات فوق ثمنه تمثل الفارق بين السعر المدعوم والسعر العالمى، وقال: «يعنى الحكومة المصرية تدفع من جيوب الشعب الدعم ليصل جيوب مليونيرات الأنفاق الذين تجاوز عددهم المئة بعد أن أقاموا إدارة للأنفاق ورسوما وضرائب ولا ينقص إلا أن يعملوا وزارة لأنفاق التهريب!».
ثم انتقل إلى نوعية السلاح والذخائر التى ضبطها سواء فى الأنفاق أو بمخازن فى مداهمات مستمرة منذ شهور، وتساءل عن الأسباب وراء وجود صواريخ مضادة للطائرات والخفاش الطائر والأسلحة المتوسطة بكل أنواعها قائلا: «هل كنتم تخططون لحرب؟ إذن انتبهوا وأفيقوا لأنه لا طاقة لكم بغضب الجيوش». وأضاف وصفى: «لقد تربينا على أيدى فطاحل كانت لتوّها تقاتل فى حرب أكتوبر وسالت دماؤها على رمل سيناء فهل يعتقد أحد أننا سنفرِّط فى هذه الأرض؟ اتَّقوا غضبنا لأن صبرنا نفد».
ورفض وصفى تناوُل أوضاع الفلسطينيين المجنسين ومَن منحهم النظام السابق الجنسية قائلا: «السياسة والدبلوماسية لها أصحابها والقتال له أربابه وأنا من أرباب القتال».
وردًّا على سؤال ل«الدستور الأصلي» عن توجيه ضربات إجهاضية لبؤر الإرهاب عبر الحدود على غرار ما تفعله الولاياتالمتحدة باستهداف «القاعدة» فى مراكزها التى تبعد عنها مئات آلاف الأميال رفض وصفى وقال: «العمليات خارج الحدود قرار سياسى، والجيش المصرى لا يعتدى على أحد وليس من طبيعتنا الاعتداء ولا نتعدى حدودنا لكن اللى حييجى عندنا سنؤدبه، وبالفعل أدبناه وسنؤدبه إذا جاء مرة أخرى».
وأشار إلى أن العمليات العسكرية لا تتم إلا بقرار سياسى يخوّل لها التحرك للتعامل مع مهددات الأمن القومى، وقال: «الجيش لم يبدأ التعامل مع هذه البؤر إلا مؤخرا والقوات الموجودة هى قوات حرس الحدود فقط، وحتى أى قوات لا تستطيع التعامل إلا بقرار سياسى وبعد مذبحة رفح تحركنا كقوات مسلحة لمواجهتها لكن كان لا بد من قرار».
وعندما سألت «الدستور الأصلي»: «هل تغيير النظام حرَّر القرار السياسى فى التعامل عسكريًّا فى سيناء؟»، أجاب اللواء وصفى بسرعة: «بالطبع نعم». ثم أردف «لكن دعُونا لا نتطرق إلى السياسة».
ورفض وصفى توجيه اتهام بتورط إسرائيل فى العمليات الإرهابية فى سيناء قائلا: «التوتر الأمنى يؤثر سلبا على إسرائيل فهل وجود الإرهاب على حدودها من صالحها؟ ثم إننا لم نمسك بإسرائيلى فى أرضنا يضرب جنودنا».
وعندما سألته «الدستور الأصلي» عما يروجه البعض من أن هناك تعاونا أمنيا مع إسرائيل فى سيناء أجاب غاضبا: «بمناسبة إيه؟ أنا أحمد وصفى». ثم أردف: «أودّ أن أعلّق على من جاملونى بألقاب كثيرة مؤخرا أننى من دون رجالى من أبطال الجيش الثانى لم أكن أساوى شيئا، لذا فأنا أعتبر الإشادة التى وُجِّهت إلى شخصى هى إشادة بكل ضباطى وعساكرى الذين يمسكون بسلاحهم ويحاربون فى معارك مصر، كما كنت أفعل فى أول الطريق».
إذن متى سيطمئن قائد الجيش الثانى على سيناء، سألَته «الدستور الأصلي» فأجاب: «عندما يدخل المستثمرون برؤوس أموالهم ليستثمروا ويبنوا فى سيناء ويوفِّروا فرص عمل لأبنائها، هذا هو خط الدفاع الأول عن سيناء، وعملياتيًّا أقول للمصريين: لا تتعجلونا وأعطونا الوقت اللازم لتطهير سيناء، ونعدكم أن سيناء ستعود نظيفة وسيفضّلها المستثمرون عن أى مكان آخر».
وصفى أوضح أن عملية تنمية سيناء تتطلب جهودا واسعة لكنها استثمار المستقبل قائلا: «تراب سيناء يسدد ديون مصر كلها، بلا مبالغة رمل الجبال يحتوى على رمل زجاجى وأسمنت وخامات كلها تحتاج إلى تصنيع أو حتى نصف تصنيع بدلا من بيعها خامًا لتقوم صناعة ومجتمعات جديدة وأتساءل: أين رأس المال الوطنى وأين رجال الأعمال الشرفاء الذين يحبون مصر وهم كثيرون؟ هذا وقتهم وهذا دورهم».
مسرح العمليات يمتد بحرًا وبرًّا لتقوم البحرية بعمليات بطولية تخفف العبء عن الجيش الثانى وفرق الصاعقة والفرق الخاصة ونسور الطيران لكن عند قناة السويس يتوقف قائد الجيش الثانى محذرا من امتداد المواجهات إليها كما حاول البعض، قائلا: «الجيش الثانى يؤمِّن 60٪ من طول القناة، وكل أجهزة القوات المسلحة دون استثناء تشارك فى عملية تأمين الممر المائى بقوات عالية الاحتراف لأننا نعلم ونعى أن القناة هى المورد الرئيسى للعملة الصعبة الآن لهذا البلد الطيب»، وواصل محذرا: «لذا أرجو وأحذر، ماحدش يقلّ عقله ويقرّب منها»، كررها عدة مرات مؤكدا أن قناة السويس مؤمَّنة تأمينا ماديا وبشريا لم يتكرر فى أى مجرى ملاحى فى العالم وقال: «فى الأول والآخر التأمين بفضل المولى عز وجل، هو من يقف وراء هذا البلد وبفضله ما زالت مصر تقف على رجليها ولن تركع أبدًا».