ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد الوحدة الصاروخية لحزب الله في جنوب لبنان ونائبه    البيت الأبيض: بايدن وجه البنتاجون لتعديل وضع القوات الأمريكية في المنطقة    ثلاثي الزمالك الجديد أول مباراة يساوي لقب قاري    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي.. موعد ومكان الجنازة    «الأصيلة المحترمة».. مجدي الهواري يوجه رسالة رومانسية لزوجته دنيا عبدالمعبود    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    من الأطباء إلى أولياء الأمور.. «روشتة وقائية» لعام دراسي بلا أمراض    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    جيش الاحتلال: سنهاجم الضاحية الجنوبية في بيروت بعد قليل    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    إعلام عبري: صفارات الإنذار تدوي في صفد ومحيطها    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    أجواء حارة والعظمى في القاهرة 34.. حالة الطقس اليوم    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    بدءاً من اليوم.. غلق كلي للطريق الدائري من المنيب اتجاه المريوطية لمدة شهر    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    تراجع سعر الطماطم والخيار والخضار في الأسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    ارتفاع أسعار النفط عقب ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    بمقدم 50 ألف جنيه.. بدء التقديم على 137 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غدا    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الأنبا بولا يلتقي مطران إيبارشية ناشفيل    عاجل - قصف إسرائيلي جديد على الضاحية الجنوبية في بيروت    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر فرغلي يكتب:أين المشكلة في إلغاء تدريس الدين أو في تخصيص مقاعد للأقباط؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 05 - 2010

استبشرت خيرا حين تحدث الرئيس مبارك منذ شهور قليلة في مناسبة عيد الشرطة بانفتاح نسبي غير مسبوق هو الآخر عن المسألة الطائفية في مصر. قلت إن الوقت حان لكي تخرج النعامة رأسها من الرمال، وأن نتعرف علي الواقع بنظرة موضوعية طازجة أملا في تعديله علي أساس من عقد اجتماعي جديد تسهم طوائف الشعب ومفكروه وأهل عقده وحله في صياغة مفرداته من خلال نقاش اجتماعي متحضر ومنفتح وعلمي ووطني وإنساني.
الرئيس وجه حينها بما يلي:
«.. وإنني كرئيس للجمهورية.. ورئيس لكل المصريين.. أحذر من مخاطر المساس بوحدة هذا الشعب.. والوقيعة بين مسلميه وأقباطه. وأقول بعبارات واضحة.. إنني لن أتهاون مع من يحاول النيل منها أو الإساءة إليها.. من الجانبين.
إننا نواجه أحداثا وظواهر غريبة علي مجتمعنا.. ويدفعها الجهل والتعصب.. ويغذيها غياب الخطاب الديني المستنير.. من رجال الأزهر والكنيسة.
خطاب ديني.. يدعمه نظامنا التعليمي وإعلامنا وكتابنا ومثقفونا.. يؤكد قيم المواطنة.. وأن الدين لله والوطن للجميع. ينشر الوعي بأن الدين هو أمر بين الإنسان وربه.. وأن المصريين بمسلميهم وأقباطهم شركاء وطن واحد.. تواجههم ذات المشكلات.. ويحدوهم ذات الطموح للمستقبل الأفضل.. لهم.. وللأبناء والأحفاد.
دور ضروري ومطلوب.. ينهض به عقلاء الأمة وحكماؤها من الجانبين.. يتصدي للتحريض الطائفي ويحاصر التطرف.. ويعمل من أجل مجتمع مصري متطور لدولة مدنية حديثة.. ويدعو المسلمين والأقباط للتسابق في بناء المدارس والمستشفيات ومساعدة الفقراء.. وللعطاء من أجل الوطن».
وعلي مدي الشهور الثلاثة التي تلت كلمات الرئيس (كان يتحدث في 24 يناير) تحول تفاؤلي تدريجيا إلي حالة اليأس العادية والمألوقة. فقد تكفلت طبقة المفسرين والشراح بتفريغ توجيهات الرئيس من كل مضمون، كما سأبين في السطور التالية. بل إن الشك عندي أوصلني حد الظن في أن الكلمة الرئاسية لم تعدُ كونها جزءًا من خطاب تأبين وليست توجيها منظما ولا توجها لنظام. وبدأت أقرأ الأحداث في سياقها الزمني من جديد:
فقد كان الرئيس مبارك يتحدث غداة مذبحة نجع حمادي ومن المحتمل أن يكون الكلام ردا للفعل تقتضيه ضرورات السياسة للمساهمة في احتواء الأزمة وإزالة الاحتقان وتفريغ الشحن وتخفيف الضغط وفش الخلق. غير أنه لا يزال كلاما واضحا قاله الرئيس ولذا فلابد من إجراء ما أو حزمة إجراءات تأخذ «شكل» التنفيذ لتوجيهات الرئيس، وقد عينت هذه التوجيهات جهات بعينها لم يكن لها مناص من التحرك: الأمن، الإعلام، المؤسسة الدينية والتعليم.
أما الأمن فقد قام بدوره المعتاد بلا زيادة أو نقصان. فالمسألة بالنسبة له جريمة فيها قتلي وقتلة ويحكمها القانون. وغاية جهده القبض علي الفاعلين وتسليمهم للقضاء، في انتظار الجريمة المقبلة. ولا أستطيع أن أتخيل أن عقلا أمنيا واحدا لا يدرك أن هناك مشكلة سلاح حقيقية في الصعيد، وأن هناك تجارة بالمليارات تجد سوقها في دوامات الثأر والطائفية والتطرف والتخلف. فلم نسمع عن حرب قرر الأمن أن يخوضها بشجاعة لتنظيف الصعيد تماما من السلاح، ولم تنقل لنا الشاشات صور أرتال الفرق الأمنية وهي تجمع أطنان السلاح والذخيرة قبل أن تنفجر في وجوهنا وقلوبنا. ولم نسمع كذلك عن حملات طوعية ومكافآت لتسليم السلاح طوعا. فالسلاح في أيدي مواطني الصعيد بديل عن قبضة الدولة الرخوة، كما أن القبضة الرخوة عاجزة عن فرض الأمن وتكاد تقنع من الغنيمة بالإياب، ومن الجريمة بالعقاب.
وبمناسبة العقاب، وتأكيد الرئيس علي أنه لا تهاون مع اللعب الطائفي، فقد راعني أن مجلس الشعب الموقر لم ترد علي ذهنه ولا خاطره ولو في شكل نزوة حتي، أننا في حاجة لقانون خاص بالجريمة الطائفية. فقتل إنسان لأخيه علي خلفية فردية هو جريمة قتل، أما القتل بباعث طائفي أو ديني أو مذهبي فهو فتنة قد تحطم الوطن برمته.. وما دمنا نناقش ونسن قوانين لمكافحة الإرهاب فالأولي أن تكون هناك قوانين رادعة تختص بالجرائم الطائفية.
كانت الاستجابة الإعلامية أكثر هشاشة. فقبل كلمة الرئيس مبارك، وبعد أيام قليلة من حادث عيد الميلاد في نجع حمادي، ظهر الموسيقي (القبطي) وجيه عزيز فجأة في البيت بيتك، وهو البرنامج نفسه الذي اتهمه عزيز بسرقة لحن مقدمته من إحدي أغانيه! تلا ذلك كليب من النوع الوطني الرومانسي المعتاد غناء هيثم شاكر (قبطي). ولم ينس الإعلام المصري الوجهين المعتادين: هالة صدقي وهاني رمزي بالتزامن مع عيد القيامة. لكن، في عيد القيامة نفسه، وقف الإعلام والدولة من خلفه وقفتهما المعتادة بتجاهل العيد، طبعا علي أساس من الظن، وأغلبه إثم، بأن معتقد القيامة المسيحي يتصادم مع العقيدة الإسلامية. وكان من الممكن للمؤسسة الإعلامية أن تدرس وتفكر في إتاحة مزيد من المساحة للخطاب القبطي، مثل أن تضطلع قناة ما من بين القنوات التليفزيونية الحكومية التي فاق عددها الثلاثين ببث عظات الآحاد، أو إطلاق برنامج يتناول تعاليم المسيح عليه السلام وسير تلامذته وتعاليمهم وقصص القديسين، أو يلقي الضوء علي الكتاب المقدس كنص لغوي عظيم - بالرغم من كونه مترجما - أثر بشدة في أدبيات العرب خلال القرن الماضي، وفيه من البلاغة والشاعرية ما يثير الإعجاب ولعل نشيد الإنشاد هو أشهر أمثلة ذلك وأوضحها. وكان يمكن أيضا للإعلام أن يدخل مباشرة إلي قلب المسألة ويطلق حملة حوار فكري مصري حول المواطنة الحقة والعقد الاجتماعي والدستور والممارسة إلخ....
لم يحدث. ولم يتجاوز التعاطي الإعلامي والصحفي والحواري أي خطوط غير معتادة في تغطية الملف الطائفي في مصر، بل انشغل بشخصنة الحادث، وهل تورط فيه النائب الغول، وهل هو جزء من اللعبة الانتخابية، إلي آخر كل هذه المسائل الفرعية. وهكذا ذهب نداء الرئيس للإعلام أدراج الرياح، أم أنه لم يكن هناك نداء أصلا؟
فيما يتعلق بالمؤسسة الدينية فقد بادرت إلي إجراءات «بروتوكولية» فورية. تبادل التعازي في الحادث بين رءوس المؤسستين، وتصريحات في الإطار نفسه لم تخرج عما سبق أن قيل. ثم ساقت الأقدار مناسبة بروتوكولية أخري بعد وفاة شيخ الأزهر، فمزيد من التعازي، تبعته التهاني للإمام الأكبر الجديد. ولا بأس من البروتوكول، ولكن الحاجة ماسة لإجراءات حقيقية، ولا أخشي من وصفها بالثورية. فما الضير في أن يبادر الأزهر بالسماح للأقباط بالدراسة في جامعته العظيمة؟ وما الذي يدفع البابا لتسهيل الرفض الرسمي لدراسة الأقباط في الأزهر بإعلانه رفضه لمثل هذه المطالب؟ ولماذا لا يحدث تقييم شامل للأداء الدعوي وتجديد آليات إعداد الدعاة وتطوير استراتيجيات الدعوة بما يحقق مصالح الأمة في ضوء من حراك أولوياتها في اللحظة الراهنة؟ بل لماذا لا يتم فتح باب الاجتهاد من جديد في مسألة العلاقات بين الأديان، من خلال إحياء تقاليد النظر والكلام واجتراح دراسات فقهية وثيولوجية للنص المقدس الذي يتناول أهل المِلل بما يعيد التساؤل حول نسبية أحكامه بشأنهم زمنيا ومكانيا؟ فالقرآن الكريم حين يذكر النصاري مثلا، أين يعني النصاري في كل زمان ومكان إطلاقا، وأين يقصد نصاري معينين في زمن ومكان معينيْن؟ وكذلك اليهود: هل يكون يهود خيبر هم يهود خيبر فقط أم هم اليهود في خيبر وفي غيره، وحينها وفي كل حين؟
أما التعليم، وهو الذي جاءت استجابته في خلال الأيام القليلة الماضية ودفعتني إلي كتابة هذا المقال وفتح الملف برمته، فقد تفتقت أذهان وزارة التعليم عن قرار بإحالة أوراق مناهج التربية الدينية إلي فضيلة المفتي! كما قامت الوزارة بإجراء مواز وهو مطالبة البابا بمراجعة المناهج المسيحية، وأوضح الوزير أحمد زكي بدر في مؤتمره الصحفي مع فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة أن القرار يأتي لتنقية المناهج مما يشيع التطرف والتعصب. غير أن أحدا لم يتطوع من وزارة التعليم بنشر التقارير والدراسات التي أفضت إلي هذا الحكم، بل لم يعلن أحد أن القرار أتي نتيجة لأي دراسة من أي نوع ومن قام بها! وإزاء هذه العتمة انتشرت تقارير مدعمة باستنتاجات واستقراءات للأحداث، أن الإجراء يستجيب لضغط أمريكي متواصل منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو جزء من عملية طويلة المدي أتت بثمارها تدريجيا في السعودية ومصر ومازالت حلقاتها مستمرة. وتقول التقارير إن المحاور المستهدفة بالتغيير والحذف يأتي علي رأسها كل ما يتعلق بالجهاد بما فيه الآيات القرآنية التي نزلت فيه! ومادام كل حديث في مصر الآن لا يتورع صاحبه عن الزج بمفهوم «الأمن القومي المصري» فيه، فلن أعد نفسي استثناء، وإن كنت أتصور أنني - واستثناء أيضا - سأكون علي صواب حين أذهب إلي أن إغفال موضوع الجهاد في مناهج التعليم المصرية يعد عبثا بأمن مصر القومي وخطرا بعيد المدي عليه. فأي قيمة ينبغي علينا تعليمها لأبنائنا أهم وأسمي من قيمة الدفاع عن الوطن وعن الفكرة وعن العقيدة بوازع من الواجب والأخلاق ومن الدين أيضا؟! وأي تناقض يعيشه الشاب المصري والمجتمع المصري من ثم، حين يجد نفسه مجبرا علي الانضواء في الجيش لتأدية الخدمة العسكرية الوطنية الإلزامية التي لم نعده نفسيا لها باعتبارها واجبا تحض عليه الأديان إلي جانب اعتبارات أرضية أخري؟
ثم ما علاقة مفتي الديار بهذا الأمر؟ أفهم أن تراجع دار الإفتاء منهج الدين بغرض إجابة سؤال وحيد: هل فيها ما يتعارض مع العقيدة الحقة؟ هذا قصارها، أما أن تعد مناهج وتعدل وتحذف وتضيف فهي وظائف ليست من طبيعة الإفتاء، وإنما هي أجدر باختصاصيين اجتماعيين ونفسيين وتربويين بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية والأزهر من حيث كونه مؤسسة تعليمية وبحثية إضافة لمكانته الدينية. إنني أتفق عموما مع ضرورة مراجعة مناهج التربية الدينية ضمن ضرورة مراجعة مناهج التعليم بشكل كامل، وضمن مراجعة نظام التعليم برمته. غير أن فلسفة تطوير مناهج التعليم الديني في المدارس لا يمكن أن تبدأ من نفسها بمعزل عن فلسفة الدولة ككل، وعن عقدها الاجتماعي. فمازالت المادة الثانية من الدستور المصري إشكالية تشفق الدولة علي نفسها من مواجهتها بشجاعة وتقديم حلول لها سوي أن تدعها وشأنها علي ما هي عليه:
تقول المادة الثانية:
(الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).
وهنا يجدر بنا أن نذكر أن نحو ثلاثة أرباع دول العالم لا تنص دساتيرها أو قوانينها علي أن للدولة دينا رسميا. وتتساوي في ذلك الدول التي تتميز باعتبارات دينية خاصة، والدول التي تميزها مشاكل دينية وطائفية حادة. إيطاليا مثلا هي حاضنة الفاتيكان، ومقر البابوية، ومرجع المسيحية الكاثوليكية في العالم، ليست دولة (مسيحية).
كذلك الهند، ثاني الدول المليارية في العالم بعد الصين، وأكبر ديمقراطيات العالم، بكل موزاييكها الديني، والأغلبية الهندوسية، ليست دولة هندوسية الديانة.
ولا أتصور مخرجا عادلا ودائما لإشكالية المادة الثانية وتناقضها مع المادة الأولي التي تنص علي مبدأ المواطنة، سوي في أحد اتجاهين:
الأول: هو الإلغاء.
والثاني: النص علي المحاصصة
أما إلغاء النص علي تعيين دين الدولة فهو الحل العادل (المثالي). والغريب أنه، من وجهة ما، يتماشي مع اتجاه الدولة العام نحو التخصيص والتحرير في الاقتصاد وغيره. ويقتضي هذا الحل أن ترفع الدولة يدها عن الدين وتضمن استقلالية مؤسساته، وأن تكون أجهزة الدولة الرسمية ذات طبيعة حياد ديني. فلا صلاة ولا قداس في تليفزيون الدولة ولا أذان أو أجراس. ولا آيات من هنا أو هناك تستقبلك في المطار وعلي سلالم الوزارات وفي الشوارع والميادين العامة، ولا استعمال دون سماعات لأجهزة المحمول أو الآيبود للترتيل القرآني أو الترنيم الإنجيلي في المواصلات العامة. في المقابل تطلق حرية الإعلام الخاص حسب اختياراته، وللمرافق والشركات والهيئات ذات الملكية الخاصة إن شاءت بث برامج دينية أو استعمال ما يتراءي من لوحات أو بث صوتي وأي من مظاهر الانتماء الديني، تحت رقابة مجلس أعلي للأديان يمنع التجاوزات ويحد من التنافر ويقصر التنافس علي الخير.
وبما أننا نتحدث عن التعليم، ففي ضمن هذه الصيغة يُلغي المنهج التربوي الديني بنوعيه من المدارس الحكومية وتبقي حرية الاختيار مكفولة للمدارس الخاصة في تدريس تربية دينية أم لا. ويُستعاض في هذا الإطار بالمساجد والكنائس لتدريس العبادات والعقائد والسير والنصوص المقدسة للأطفال تحت إشراف مباشر من الأسرة وباختيار منها.
أما ما ينبغي تدريسه حقا في التعليم المصري دون الجامعي، وخصوصا الثانوي، فهو شيء من علم الأديان المقارن، طبعا بتبسيط يتناسب مع المرحلة السنية. فمن غير الممكن ولا المقبول ولا المعقول، أن يتعلم الطالب المصري المسلم ما هي الوجودية والاشتراكية وماهي نظرية النشوء والارتقاء وغير ذلك دون أن يعرف شيئا عن العقيدة المسيحية التي يدين بها عشرة من زملائه في الفصل وعشرون مليونا من إخوانه المواطنين!! الشيء نفسه يمكن عكسه وتطبيقه علي الطالب القبطي. يكتسب هذا أهمية مضاعفة حين نتذكر أن الخيال الشعبي مليء بالمغالطات والأوهام الساذجة المتبادلة لكل طرف عن الآخر. إن التعايش له سبيل واحد هو الاحترام. والاحترام له سبيل واحد هو المعرفة. فهل نوفر المعرفة لأبنائنا في هذا الظرف الحرج؟
السيناريو الثاني هو المحاصصة، وهو أيضا حل عادل (واقعي). فنحن لن نعاكس الواقع إذا قلنا إن الدين الرسمي الأول للدولة هو الإسلام، وإن الديانة الرسمية الثانية هي المسيحية. إن هذا الحل يكرس الواقع الطائفي لكنه في الآن نفسه يحيّده وينزع عنه فتائل الانفجار. والمحاصة لن تغير واقع أن الأغلبية للمسلمين، ولكنها ستحقق للأقباط مطلب العدالة بما لا يدع مجالا لدعاوي الاضطهاد. فما الضير مثلا في أن يكون في كل دائرة مقعد أو مقاعد للأقباط بما يحقق لهم نحو خُمس مقاعد مجلس الشعب؟ ألم نخصص، وما زلنا نصف المقاعد للعمال والفلاحين، وهو أمر اقتضته ربما مرحلة تاريخية ما وظروف اقتصادية اجتماعية معينة، والحاجة نفسها تتكرر في لحظتنا الراهنة في ظروف اجتماعية دينية قومية هذه المرة. بالمعيار نفسه يمكن أن نتصور عددا معينا من الوزراء والمحافظين الأقباط، وأن نتصور بث صلاة الجمعة وقداس الأحد تليفزيونيا، كذلك اعتبار أعياد الديانتين أعيادا قومية بلا حساسية.
في ظل هذا السيناريو، يمكن الاستمرار في تدريس التربية الدينية في مدارسنا كافة، مع إضافة مهمة: فلابد من مراعاة التعريف بالآخر في مناهج الديانتين وتأكيد ضرورة قبوله واحترامه. ولماذا لا تكون هناك حصة مدرسية واحدة في كل شهر يخاطب فيها شيخ مسلم التلاميذ الأقباط ويشرح لهم مكانة السيد المسيح والسيدة العذراء في الإسلام؟ ولماذا لا يبين قس قبطي للتلاميذ المسلمين حقيقية نظرة المسيحية المتسامحة تجاه الإنسانية جمعاء؟
ربما تكون مصر غير مؤهلة لثورة، بل غير قادرة علي تحملها. لكنني هنا لا أطالب بثورة بل بفكر ثوري، إجراءات ثورية، خطي حقيقة للأمام. أما ما تفعله الحكومة (النص نص)، فهو حتي لا يصل إلي منتصف الطريق، وينحصر في كونه ردودا هزيلة للفعل، واستجابات حييّة لاستفاقات وطنية حتي إن جاءت من رأس الدولة. ولكن هل كانت رسائل الرئيس الواضحة في خطاب عيد الشرطة رسائل حقيقية؟ عشت خلال الشهور الثلاثة الماضية متنقلا بين التفاؤل والشك، حتي قطع خطاب الرئيس في عيد تحرير سيناء كل شكوكي باليقين. فكلمة الرئيس في عيد تحرير سيناء هي الخطاب القومي الأول منذ كلمته في عيد الشرطة. وفي تلك الكلمة التي ألقاها في يناير الماضي احتل الموضوع الطائفي نحو نصف الخطاب كله. أما في مناسبة تحرير سيناء فقد كان نصيب السؤال الطائفي في الخطاب يساوي = صفرا. ولا كلمة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.