مصادر: تقرير الأممالمتحدة خلال أيام.. وأصابع الاتهام قد تشير إلى تورط الأسد فى استخدام الكيماوى لا أحد ينتظر كثيرا من ما يجرى فى جنيف. فالمفاوضات الأمريكية الروسية حول الأسلحة الكيماوية السورية بدأت «بداية عسيرة.. ومتعثرة».. وانطلقت كما وصف بعض المراقبين من «أرضية مهزوزة».. «مشكوك فى أمرها» إذ يشك فى نجاحها الطرفان المشاركان. وبالطبع كل طرف لا يثق فى الآخر.. فى نياته وجديته. تصريحات جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى ألمحت إلى صعوبة المهمة.. وأن ما قاله الرئيس السورى الأسد حتى الآن «ليس كافيا»، وحذر كيرى أيضا من المماطلة. ورغم أن واشنطن لم تعلن أى جدول زمنى لهذه العملية التفاوضية فإن كيرى شدد فى تصريحاته على أن سوريا يجب أن تعطى بسرعة معلوماتها عن الأسلحة الكيماوية.
ولم يتردد مسؤولون أمريكيون فى القول إن المفاوضات الجارية حاليا فى جنيف تسعى أيضا أن يتم التأكد من العمل الذى سيقوم به الروس فى سوريا بواسطة فريق عالمى، لأن واشنطن لا تثق بالكامل فى نيات موسكو، وتشك بأن لديها دراية كاملة ببرنامج سوريا السرى وهى تقوم بمهمة يجب الوثوق فيها.
ويأتى «إلحاح» واشنطن وأيضا «تحفظها» تجاه مواقف موسكو فى وقت ترددت فيه أنباء عن قيام نظام الأسد بنقل وتوزيع ونشر مخزون السلاح الكيماوى فى أماكن جديدة. وذكرت «وول ستريت جورنال» فى تقرير لها حول هذا المستجد فى المشهد السورى بأن ما قامت به الحكومة السورية من خلال ما يسمى ب«وحدة 450» قد يعقد الموقف أكثر بالنسبة لخطة توجيه الضربات الأمريكية التى «لوحت بها» واشنطن خلال الأيام الماضية، قبل أن يعلن أوباما استعداده للدخول فى محاولة دبلوماسية من أجل تفادى المواجهة العسكرية.
من جهة أخرى أشارت مصادر مطلعة إلى أن تقرير فريق الخبراء المكلف من الأممالمتحدة والخاص بما حدث يوم 21 أغسطس قد يصدر خلال الأيام القليلة المقبلة ربما يوم الإثنين أو قبله. ورغم أن مهمة الفريق لم تكن تحديد الفاعل فى الهجوم الكيماوى، فإن المصادر نفسها قالت إن تفاصيل التقرير عما حدث واستنتجته عنه قد تشير بأصابع الاتهام إلى نظام الأسد. كما أن ما يحدث فى نيويورك ومن خلال مجلس الأمن يثير كثيرا من التساؤلات حول دور الأممالمتحدة فى المرحلة المقبلة، وعن دور روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا أيضا فى المسألة السورية.
وبما أن حالة «الحرب الأهلية» مستمرة رغم ما يقال ويتردد فى جنيفونيويوركوموسكووواشنطن وأحيانا فى دمشق، فحركة الأفراد والأسلحة مستمرة، وإذا كانت «واشنطن بوست» أول من أمس تتحدث عن قيام وكالة الاستخبارات الأمريكية «سى آى إيه» بإمداد المعارضين السوريين بالأسلحة فإن «نيويورك تايمز» بالأمس نقلت عن المعارضة أن شحنات جديدة من الأسلحة وصلت من السعودية إلى المعارضين فى جنوب سوريا. وأن هذه الشحنات تمت زيادة إرسالها فى الفترة الأخيرة بمساعدة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا.
واشنطن من ناحيتها أكدت أكثر من مرة أنها لم تتراجع عن الخيار العسكرى إذا اقتضى الأمر ذلك. وفى هذا السياق أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» الخميس أن سفينتين من سفنها الحربية فى المتوسط والبحر الأحمر سيتم تمديد وجودهما من أجل استمرار الضغط على سوريا، بينما تجرى المفاوضات حول أسلحتها الكيماوية. إحدى هاتين السفينتين بارى، وهى ضمن أربع من المدمرات البحرية موجودة فى شرق المتوسط. وكان من المقرر أن تترك المنطقة مع بداية شهر سبتمبر إلا أن البنتاجون قررت إبقاءها. وقد أجرى تشاك هيجل وزير الدفاع مكالمة هاتفية مع قائد السفينة يوم الخميس لتوجيه التحية والاطمئنان عليه وعلى أفراد السفينة. أما «نيميتس» حاملة الطائرات الموجودة فى البحر الأحمر فكان من المقرر أن تترك الشرق الأوسط وتتوجه إلى منطقة الباسفيك إلا أن البنتاجون قررت إبقاءها أيضا.
من ناحية أخرى عارض مايكل أوهانلن خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية فكرة أن هناك إجماعا عسكريا متعارضا مع موقف أوباما وقراره بخوض الحرب مع سوريا. وأن المنتظر أو المرتقب من حرب فى سوريا «هى حرب لا تريدها البنتاجون»، كما كتب أحد الجنرالات المتقاعدين فى مقال له ب«واشنطن بوست». وكان قد أشير فى هذا الصدد أيضا كيف أن الجنرال مارتن ديمبسى رئيس الأركان فى جلسات الكونجرس يبدو «الأقل تحمسا» وربما «الأكثر تحفظا» فى الحديث عن الحرب فى سوريا ونتائجها وما يمكن أن تحققه، سواء على أرض الواقع أو على الصعيد السياسى إذا سقط النظام. والجنرال ديمبسى منذ عدة أسابيع فى خطاب له لقيادات فى الكونجرس أبدى شكوكه تجاه المعارضة السورية والقوات المحاربة باسمها وإمكانية توليها وإدارتها زمام الأمور فى سوريا.
ولا يمكن الحديث عن المشهد الواشنطنى دون الالتفات إلى ما أثارته مقالة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى «نيويورك تايمز» مساء يوم الأربعاء فى موقعها الإلكترونى، وفى نسختها الورقية لعدد الخميس. جاى كارنى المتحدث باسم البيت الأبيض علق على رسالة بوتين المفتوحة والمنشورة ب«نيويورك تايمز» بالقول إن البيت الأبيض لم يفاجأ بمقالة بوتين، وإن روسيا «معزولة، ولوحدها» فى إلقاء اللوم أو الاتهام على المعارضة السورية بارتكاب ما حدث يوم 21 أغسطس.. وحسب ما ذكرته «بوليتيكو» فإن مقالة أو رسالة بوتين قام بتوصيلها ل«نيويورك تايمز» شركة علاقات عامة أمريكية تسمى «كيتشام». وقد عملت الشركة من قبل على نشر مقالات تميل إلى وجهات النظر الروسية أو تبرزها فى وسائل إعلام أمريكية. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم نشر مقالة بقلم بوتين فى صفحة رأى. ففى عام 2012 قامت «واشنطن بوست» بنشر مقال له بعنوان «رؤيتى لروسيا أفضل».
ومقالة بوتين الأخيرة أثارت ضجة كبرى فى الأوساط السياسية بسبب مضمونها، وما وصفه البعض ب«استهزاء» بوتين بالخصوصية الأمريكية بجانب تصديه للمواقف الأمريكية من سوريا. وقد ذكرت الصحيفة فى أثناء الجدل الدائر حول ما قاله بوتين فى مقالته بأن نشرها لمقالة بوتين لا يعنى تبنى أفكاره ومواقفه. كما أن أندرو روزنتال مسؤول صفحة الرأى بها أشار إلى أن المقالة كانت جيدة فى كتابتها وطرحها للأفكار. والطريف أن تفاصيل ما حدث قبل نشر المقالة أثارت اهتمام أهل واشنطن خصوصا أن ما تم بشأنها حدث طوال يوم الأربعاء. إذ عرضت شركة العلاقات العامة الأمريكية الأمر على إدارة التحرير ب«نيويورك تايمز». كما أن المتحدث باسم بوتين فى اليوم نفسه وخلال حديث له عن سوريا مع مدير مكتب «نيويورك تايمز» فى موسكو طرح الأمر نفسه، وأن المقالة تتم كتابتها. وعن موعد صدورها قال مسؤول صفحة الرأى إن التوقيت كان مهما خصوصا «أن كل شخص يريد أن يسمع من بوتين نفسه» وأن هذه المقالة قدمت كثيرا من المعلومات الجديدة.
واشنطن وهى تتفاوض مع موسكو تعود إلى أيام الحرب الباردة. أو هكذا تبدو الأجواء والتصريحات والتلميحات.. والتعليقات. الحرب على سوريا أصبحت أمرا «مؤجلا لحين» أو «أمرا معلقا» و»مغلقا لإجراء بعض التحسينات أو المراجعات». حسابات ومصالح عديدة ومتضاربة حول سوريا تتصارع فى الوقت الحالى لتوجيه دفة الأمور. ولا أحد يستطيع أن يدعى بأنه يعرف بالضبط ماذا يجرى الآن.. وماذا سيجرى فى الساعات أو الأيام المقبلة؟