ظل الرئيس التركي عبد الله غول ملتزما الحيادية في تصريحاته منذ عزل الرئيس محمد مرسي وإزاحة الإخوان المسلمين عن حكم مصر. وقد حافظ الريس التركي على مسافة معينة من رئيس الوزراء رجب طيب رردوغان في ما يتعلق بتصريحات الأخير الساخنة والاستفزازية والتي لا تتجاوز فقط الأعراف السياسية والدبلوماسي، بل تتعداها إلى التدخل السافر والمباشر في شؤون دولة أخرى لها استقلالها وسيادتها.
لقد ناشد غول الحكومة المصرية، في مقال نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" يوم الجمعة 9 أغسطس 2013، العودة بالبلاد سريعا إلى حكم ديمقراطي والسماح لجميع الأطراف بالمشاركة في العملية السياسية. وحث غول السلطات المصرية على إطلاق سراح الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي.
ودعا الرئيس التركي العضو في حزب العدالة والتنمية الإسلامي جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب العنف. عند هذا الحد يبدو كلام الرئيس عبد الله جول عضو حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا عاديا ومتماشيا مع كافة التصريحات للكثير من زعماء وقادة دول أخرى. وفي الوقت نفسه أقل حدة من تصريحات أردوغان الغاضبة والمتوترة. ولكن غول في مقالة يركز على نقطة في غاية الأهمية والخطورة. إذ كتب: "الشعب المصري انقسم تقريبا إلى معسكرين كل منهما يحشد بشكل خطير ضد الآخر.
هذا الوضع مقلق وغير قابل للاستمرار." هنا يجب أن نتوقف لنتأمل تبادل المواقف والأدوار بين الرئيس ورذيس الحكومة التركيين والعضوين في حزب إسلامي يلقى منذ نهاية مايو 2013 مقاومة من الشعب التركي ويواجه مأزق البقاء في السلطة، وربما في المشهد السياسي التركي لاحقا. لقد لاحظنا أن هناك بالفعل قوى دولية وإقليمية وأطرافا إسلامية تدفع جميعا في اتجاه تصوير ما يجري في مصر على أنه "نزاع بين طرفين". وهو الأمر الخطير والشرير في آن واحد! لأنه ببساطة مقدمة سيئة لسيناريوهات أسوأ.
على الرغم، مثلا، من أن كلا من السيد أردوغان ورئيسه غول يرى أن الأزمة الحالية في تركيا تتلخص في إخضاع المتظاهرين والمعتصمين للقانون، وإجبارهم على قبول النظام الإسلامي بقيادة حزب العدالة والتنمية بلا قيد أو شرط.
الرئيس التركي أصبح يرى فجأة أن "الشعب المصري قد انقسم إلى معسكرين"، بينما لا يرى، هو ورئيس وزرائه، ملايين المحتجين والمتظاهرين والمعتصمين في عشرات المحافظات التركية. ولا يرى أي منهما، أو كلاهما، أن نسبة ال 56٪ من أكراد العالم موجودة في تركيا،
حيث يبلغ تعداد الأكراد هناك 15 مليون نسمة من إجمالي تعداد تركيا الذي يصل إلى 76 – 80 مليون نسمة! ولا يريد أي منهما أن يعترف بالعنف والعنصرية اللتين تمارسا ضدهم بنتيجة حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي وعوامل تاريخية وسياسية أخرى! وإذا أضفنا الأقلية الأرمينية، وبقية الأقليات الدينية والعرقية في تركيا سنجد أن المشهدين الميداني والسياسي التركيين يتسمان بانقسام حاد لن يلتئم إلا برحيل هذا الحزب الإسلامي عن السلطة وتنفيذ بقية مطالب الشعب التركي التي يطالب بها الشباب في أنقرة واسطنبول وديار بكر وبقية المحافظات التركية، وعلى رأسها الحفاظ على مكاسب العلمانية وتفادي تقسيم المواطنين الأتراك والتمييز بينهم وإعادتهم إلى الإمبراطورية العثمانلية في ثوب أردوغاني مزركش بأعلام حلف الناتو وأعلام الإمبراطورية الزائلة!من الواضح أن أحلام أردوغان وغول في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتبدد ليس فقط على صخرتي "مذابح الأرمن" و"القضية القبرصية"، بل وأيضا على طموحات أردوغان باستعادة أمجاد الماضي الزائل وارتداء الثوب الإسلامي بينما الملابس الداخلية صنعت في واشنطن وبروكسل! وبالتالي من الصعب أن يصدق أحد ما يقوله عبد الله غول أو أردوغان، بينما ما يقرب من نصف جبال "أرارات" الأرمينية في قبضة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ولواء الإسكندرونة السورية لا يزال تحت مقعد الأغا التركي.
أما عن الحقوق التاريخية للأرمن والقبارصة والبلغار واليونانيين والأكراد، فحدث ولا حرج! فعن أي انقسام يتحدث عبد الله غول الذي ظل يناور بتصريحات دبلوماسية وسياسية متواضعة لأسباب تتعلق بصراعه مع أردوغان في الانتخابات المقبلة المرتبطة أيضا بإجراء بعض التعديلات الدستورية في ما يتعلق بتحويل تركيا إلى دولة رئاسية؟ هل يواجه عبد الله غول ضغوطا ما من حزب العدالة والتنمية الإسلامي؟ هل يواجه ضغوطا مباشرة من أردوغان لإعلان موقف أكثر تطرفا بشأن دولة أخرى ويتجاهل تماما ما يجري الآن في تركيا طوال أكثر من شهرين؟!إذا كان حزب العدالة والتنمية الإسلامي يريد استعادة تركيا العثمانلية بالرداء الأردوغاني،
فمصر وشعبها، الذي لا يتجاوز عدد طائفة الإخوان المسلمين فيه 200 ألف شخص، يريدان استعادة رسالتهما الإنسانية - التاريخية بعيدا عن التخلف والرجعية والظلامية والشعوذة. وربما لا يعرف معنى "الرسالة التاريخية" إلا أبناء الشعوب الضاربة بجذورها في القدم والثقافة والتاريخ والمعاناة الإنسانية وتحمل الظلم والقهر دون البكاء والعويل والإحباط، وبعيدا عن العنصرية والشوفينية والتمايز! فطائفة الإخوان المسلمين، التي تعتمد عليها أحلام وطموحات الأغا العثمانلي وحلفائه في واشنطن وبروكسل، لا يتجاوز عدد أنصارها في مصر مليونين أو ثلاثة على الأكثر. فعن أي انقسام في مصر (90 مليون نسمة) نتحدث وعدد الأكراد في تركيا يصل إلى 15 مليون نسمة (من إجمالي 76 مليون نسمة)، بينما يصل عدد الأرمن 70 ألف نسمة على الرغم من الإبادة والتهجير ومحو الهوية التاريخية عنهم وعن أراضيهم المحتلة طوال من 100 عام تقريبا؟!