ما من مرة زار فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر الا وأستبشرت خيراً. منذ أيام مبارك كنت أقول لدى اي زيارة لبوتين لابد ان هناك تغير ما سيحدث في دفة السياسة الخارجية المصرية، وكنت إرقب التطورات بعدها لعلي اجد التغير المنشود. ولما تعددت الزيارات التبادلية ولم يحدث تغير تيقنت ان التغير لن يأتي الا بعد ان تتغير الإدارة المصرية وتصبح قادرة على صنع المستقبل وليست مجرد تابع ذليل للأوامر الأمريكية. فهل تغير شيء هذه المرة عشية زيارة بوتين للقاهرة؟ لكي نجيب على هذا السؤال، يجل ان نفهم دوافع الرئيس الروسي لزيارة مصر، فالرجل يقود سياسة بلاده منذ آمد واستطاع ان ينتشلها من مرحلة الأنهيار التى صاحبة سقوط الأتحاد السوفيتي، والتى تلتها الرئاسة الكارثية لبوريس يلتسن الرئيس الروسي الراحل. بوتين عبر بروسيا من مرحلة الدولة المنهارة والفاشلة والمفلسة والمدينة، الى مصاف الدولة التى توازن الأتحاد الأوروبي وتستطيع مع الصين ان تتصدي لجموح الأرادة الأمريكية التى تريد تطويق روسيا بحائط ردع صاروخي عبر اوروبا.
لاحظ ان علاقات روسيا الشرق أوسطية وحلفائها في المنطقة هم ايضا يسيرون على نفس السياسة المتصدية للهيمنة الأمريكية. فمثلاً ايران وسوريا وحزب الله أثبتوا خلال عقد كامل من الزمن ان السلاح الروسي يستطيع ان يتصدى للسلاح الأمريكي وأن الحصار الأمريكي لن يُرَكّع الشعوب وان روسيا هي ظهير حقيقي وصديق مخلص وحليف في وقت الشدة! وهذا لا يعني ان ايران وسوريا يريدان الوقوف في موقف العدو للولايات المتحدة لصالح روسيا وانما يريدان ان يكون قرارهما قرار وطني مستقل يخدم مصالحهما ولا يخضع لأوامر سيد البيت الأبيض ويخدم مصالحه على حساب الشعوب.
تطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وثورات الأمل العربي التى بينت ان أرادة الشعوب لا تعكسها سياسات الحكام، أبرزت ان مسألة التغير في الدول العربية ليس مجرد مؤامره وانما هي أرادة مكبوتة لدى الشعوب أنفجرت في وجه وكلاء أمريكا المحليين. هنا برز امام روسيا انها تستطيع ان تعود وتزور المنطقة لكن هذه المرة قد تكون مختلفة عما سبق. فالرئيس الروسي قادم وهو يعلم ان الوضع الميداني في سوريا يسير لصالح سلاحه والأدارة السورية معه. ويعلم ايضاً ان أيران أحمدي نجاد، التى وقفت أمام أسرائيل لثماني سنوات بدون هواده، وأنتخبت رئيس جديد أصلاحي، مستمرة في علاقتها المتميزة مع روسيا. فهل من الممكن ان يكسب حليف آخر في حجم مصر؟
روسيا تكبدت خسائر مهولة جرأ حربها في أفغانستان عندما تورطت في حرب استنزاف لمساعدة الحكومة الأفغانية الموالية لها. وظلت روسيا تتألم في صمت حتى أنهار الأتحاد السوفيتي بعد أنسحابه من أفغانستان بسنوات قليلة. ومنذ ذلك الحين حذرت روسيا من خطر الأسلام السياسي الجهادي الراديكالي الذي تذوقت طعمه وعرفت مرارته. وأطلق جورباتشوف وقتها تحذير للعالم منبه لخطورة الفكر الذي ينمو في أفغانستان وانه يتوقع ان يعود هذا الفكر بالضرر الجسيم على الدول التى صنعته. وبعدها أنفجرت قضايا العائدون من أفغانستان ونمى تنظيم القاعدة.
بوتين يأتي الى مصر لأسباب ثلاثة من وجهة نظري. اولاً ان بوتين يعيد تأكيد وقوف روسيا ضد المشروع الأمريكي المغلف في المنطقة بوجه أخواني والتى انكسرت شوكتهم في مصر. وهذه الوقفة تخدم المصالح الروسية وهي أيضا رسالة ضمنية لتقوية الجانب السوري الذي يخوض حرباً ضد الجماعات الأرهابية التى استغلت ثورة الشعب السوري و حولت سوريا الى ساحة حرب بدل من أرض ثائرة تبغي التغير. ثانياً، زيارة بوتين تأتي على خلفية العلاقة الملتبسة والمتوترة بين ثورة الشعب المصرية الفتية وبين الأدارة الأمريكية التى ترى ان مشروعها في المنطقة المغلف بالوجه الأخواني يسقط. فالآن، امام روسيا فجوة واسعة تستطيع من خلالها ان تعيد الدفئ للعلاقات مع مصر وفتح آفاق واسعة للمستقبل.
أخيراً اعتقد ان بوتين رجل المخابرات السابق وقائد الكي جي بي السابق والذي يقود روسيا الآن بنجاح وأقتدار (على الرغم من الأنتهاكات لحقوق الأنسان)، يعرف جيداً مقدار الرجال ويعرف جيداً مع من يتعاون. لذلك أظن ان زيارة بوتين لمصر في القلب منها هي التعرف على الفريق اول عبدالفتاح السيسي عن قرب، (هو ليس بحاجة لمعرفة البرادعي عن قرب مثلاُ فهو يعرفه جيدا منذ وقت عمل البرادعي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية). واذا صح اعتقادي فأن العلاقة بين بوتين والسيسي سيكون لها شأن عما سبقها من علاقات القادة المصريين والروس أو هكذا ازعم. اهلا بك سيادة الرئيس بوتين